للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعَصَبُها طاهِرٌ. وكذا الإِنسانُ.

===

(وعَصَبُها) إذا يَبِسَ وذهَبَ لَحْمُهُ، وكذا ظِلْفُها (١) وحافِرُها وقَرْنُها (طاهِرٌ) وكذا لَبَنُها وبَيْضُها عند أبي حنيفة، إذا لم يكن على هذه الأشياءِ دُسومَةٌ، وبه قال مالك.

وقال الشافعي: كلُّ ذلك نَجِسٌ إلحاقاً للجُزْءِ بالكلِّ، ولِمَا تقدَّمَ (٢) من حديثِ ابن عُكَيم: «لا تَنْتَفِعُوا من الميتة بإهابٍ ولا عَصَب».

ولنا ما علَّقه البخاريُّ عن الزهريِّ: قال في عِظام المَوْتَى نحوِ الفِيل وغيرِه: أدركتُ ناساً مِنْ سَلَفِ العُلَماء يَمْتَشِطُون بها، ويَدَّهِنُون فيها، لا يَرَوْن به بأساً. وتقدَّمَ حديثُ أنس مرفوعاً عن البيهقي (٣) . وأخرج الدارقطنيُّ عن عبد الجبَّار بن مُسْلم من حديثِ ابن عباس قال: إنما حرَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الميتةِ لحمَها، أمَّا الجِلْدُ والصُّوفُ والشَّعْرُ فلا بأس به. فإن قيل: عبدُ الجبَّار ضعَّفه الدارقطنيُّ؟ فالجواب أنَّ ابن حِبَّان وثَّقَه، فلا يَنْزِلُ حديثُه عن الحَسَن. وأخرَجَ أيضاً عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن قال: سمعتُ أمَّ سَلَمة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم تقولُ: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا بأسَ بمَسْكِ الميتةِ إذا دُبِغَ، ولا بأسَ بصُوفِها وشَعرِها وقُرونِها إذا غُسِلَ بالماء». فهذه عِدَّةُ أحاديثَ ولو كانتُ ضعيفةً حَسُنَ المتْنُ، فكيف ولها شاهدٌ في «الصحيحين»؟ (٤) .

(وكذا الإِنسان) شعْرُهُ وعَظْمُه وعصَبُه: طاهِرٌ، لأنَّ هذه الأشياء لا تحلُّها الحياةُ لعدَمِ الحِسِّ الذي هو من خصائِصها، فلا تكون بانفصالها ميتة، ولأنه صلى الله عليه وسلم ناوَلَ شعرَهُ أَبا طلحة فقسَمَه بين الناس (٥) . أمَّا لو نَتَفَ الشعرَ فيَنْجُس باعتبار طَرَفِه المُتَّصل بالجلدِ، وقيل: عَصَبُها نَجِسٌ في الصحيح، لأنَّ فيه حياةً بدليل تألُّمِه بالقطع، وقيل: طاهِرٌ لأنه غيرُ متَّصل.


(١) الظِّلْف: للبقرة والشاة والظبي، كالحافر لغيرها. مختار الصحاح ص ١٧٠، مادة (ظلف).
(٢) ص ٩١.
(٣) ص ٩٣، ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُمتشط بمشط من عاج.
(٤) تقدّم صفحة ٩١ عن ابن عباس.
(٥) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الحج، ٢/ ٩٤٨، باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي … (٥٦)، رقم (٣٢٥ - ١٣٠٥)، بلفظ: لمّا رمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجمرة ونحر نُسُكَه، وحَلَقَ، ناول الحالق شِقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إياه، ثم ناوله الشقَّ الأيسر فقال: "احلق"، فحلق، فأعطاه أبا طلحة فقال: "اقسمه بين الناس".

<<  <  ج: ص:  >  >>