للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أَنْ حج. وإِنْ أَحْرَمَ بالعمرة قبل أَشهر الحج وطاف أَقل السبعة، ثُم أَتَمها في الأَشهر وحَجَّ، يكونُ متمتعاً عندنا، وهو قول مالك، لأَن الإِحرام بالعُمرةِ وإِنْ حصل قبل الأَشْهر لكنه شرطٌ عندنا، وإِنما يعتبر أَداء الأَركان في أَشهره، وأَكثر أَفعال العمرة باقية مؤداة في أَشهره، وللأَكْثر حُكْم الكلِّ، فكان جَامِعاً بين العبادتين، فكان متمتعاً.

ونفاه الشافعيُّ بناءً على أَنَّ الإِحرام رُكْن عنده. وعلماؤنا والشافعيُّ أَبطلوا التمتع إِنْ طاف الأَكثر قبل الأَشهر، وأَجازه مالك، لأَن تمام العمرة بالتحلل منها، وهو واقعٌ في أَشهره، فيكون جَامِعاً بين النُّسُكَيْن باعتبار تمامِ العمرة.

قلنا: إِنه ليس بِجَامعٍ بينهما في الأَشْهُرِ لا حقيقةً ـ وهو ظاهر ـ، ولا حُكْماً، لأَن الأَكْثر قد وُجِدَ في غير الأَشهر، وللأَكْثر حُكْمِ الكل.

ويَمْضِي المُحْرِمُ فيما أَفْسَدَ مِنْ حَجَ أَوِ عُمْرةٍ بخلاف الصلاة والصوم، لأَنه لا يمكنه الخروج عن عهدة الإِحرام إِلاَّ بالأَفعال، فإِن كان متمتعاً سقط دَمُ المتعة، لأَنه لم يُوَفَّق (١) بأَداء النُّسُكَين الصحيحين في سَفَرٍ واحدٍ. ولو أَحْرَم شخصٌ بنُسُكين كَحَجَّتَيْن أَوْ عمرتين لزماه عندنا، وأَلْزَم محمدٌ وزفر بِنُسك واحدٍ كمالك والشافعي، لأَن الإِهلال للشُّروع في الأَداء، وأَداؤهما معاً غَيْرُ ممكنٍ، ثم ارتفاض أَحد الإِحْرَامَين يتأَخّر إِلى زمن التوجه للأَداء عند أَبي حنيفة في ظاهر الرواية، وإِلى زمن الشروع في أَحَد النُّسُكَين في روايةٍ. ويحكم أَبو يوسف بالارتفاض عَقِيب الإِحرام بهما بلا مهلة.

ولو أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أُخرى يَوْمَ النَّحْرِ قبل الحلق لزمته الحجة اتفاقاً (٢) ، وعليه دَمٌ عند أَبي حنيفة، قصَّر (٣) لأَجل الخروج من الإِحرام الأَول أَوْ لا، احتراماً للإِحرام الثاني (٤) ، وخَصَّا (٥) لزوم الدمِ بالتقصير، وهذا بناءً على ما قَدَّمنا في أَوَّل الكتاب مِنْ وجوب التحلل في أَيامِ النَّحْر عنده، وعدمه عندهما.


(١) وفى المخطوط: يترفق، وما أثبتناه من المطبوع.
(٢) ويؤدي الحجة الأخرى في العام القابل.
(٣) قصَّر: أي حلق بعد الإحرام الثاني لأجل الخروج من الإحرام الأول.
(٤) ويلزمه الدم عند الإمام على كِلا التقديرين؛ لأنَّه إذا حلق بعد الإحرام بالثانية، فهو جناية في حق إحرام الحجة الثانية، وهذا الحلق هو نُسُك في حق الحجة الأولى.
وأما إذا لم يحلق للأولى يلزمه الدم أيضًا؛ لأن تأخير النسك عن وقته يوجب الدم عند الإمام. انتهى.
"البناية في شرح الهداية" ٣/ ٨٠٠ بتصرف.
(٥) أي "الصاحبان".

<<  <  ج: ص:  >  >>