للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإِن رَجَعَا عنها قَبل الحُكْم سَقَطَتْ، ولم يَضْمَنَا، وبعده لم يُفسخ، وضَمِنَا ما أَتْلَفَاهُ بها، إِذا قَبَضَ مُدَّعَاه.

فإِن رَجَعَ أَحَدُ ثلاثةٍ لم يَضْمَنْ، فإن رَجَعَ آخَرُ ضَمِنَا نصفًا، وإِنْ شَهِدَ رجلٌ وعَشْرةُ نِسوةٍ ثم رجعوا، فعَلَى الَّرجُلِ سُدُسٌ عند أَبي حنيفة، وعلى النِّسوة خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ، ونِصْفٌ عندهما،

===

المبيع، ورضى المتابعين، ولأَن الرجوع عن الشهادة توبةٌ عما ارتكب من قول في مجلس القضاء، فتكون توبته بالرجوع كذلك، هكذا في «الهداية» و «الكافي» أَخذاً من «المبسوط». ويؤيده ما ورد أَنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذا أَحدثت ذنباً، فأَحْدِث لله توبةً، السِّرُّ بالسر، والعلانيةُ بالعلانية» (١) . (فإِن رجعا عنها قبل الحُكْم سقطت) لأَن الحق إِنما يثبت بالقضاء، والقاضي لا يقضي بكلام متناقض.

(ولم يَضْمَنَا) لأَنهما لم يُتلفا شيئاً على المُدَّعي ولا على المدعى عليه (و) إِنْ رجعا عنها (بعده) أَي بعد الحكم (لم يُفسخ) الحكم لأَن آخِر كلامهم في الدلالة على الصدق مثلُ أَوله، وقد ترجّح الأولُ باتصال القضاء به (وضَمِنَا ما أَتلفاه) للمشهود عليه (بها) أَي بشهادتهما لإقراراهم على أَنفسهم بسبب الضمان، والتناقض لا يمنع الإقرار. (إِذا قَبَضَ) المدَّعي (مُدَّعَاه) دَيناً كان أَوْ عيناً، لأَن الإتلافَ يتحقق بقبض المُدعي، وفي ذلك لا يتفاوت الحكم بين العين والدين (والعبرة للباقي لا للراجع)

إذ لولا ذلك لوجبَ الضمانُ، مع بقاء مَنْ يقومُ الحقُ بشهادته، بأَن بقي النصاب.

(فإِن رجع أَحد ثلاثة) شهدوا بحق، وقضى القاضي به وقبضَه المُدعي (لم يضمن) لأَن شهادة الشاهدين تكفي لثبوت الحق في غير الزنا والكلام فيه، فصار الحق مُستحِقاً بهما. وقال أَحمد: يضمنُ ثُلُثَ الحق، وبه قال الشافعي في قول، ومالك في رواية.

(فإِن رجع آخَرُ ضَمِنَا) أَي الراجعُ أَولاً والراجع ثانياً (نصفاً) لأَنه بقي من الثلاثة واحد، فبقي ببقائه نصف الحق (وإِنْ شَهِدَ رجلٌ وعَشْرة نِسوة ثم رجعوا، فعلى الرجلِ سدسٌ عند أَبي حنيفة وعلى النِّسوة خمسة أَسداس) وبه قال مالك والشافعي وأَحمد (ونصف عندهما) وعلى النسوة النصف الآخر، وبه قال أَبو العباس ـ من أَصحاب الشافعي ـ لأَن النِّسوة وإِن كَثُرَتْ يُقَمْنَ مُقَام الرجل الواحد، ولذا لا تُقبل شهادتهنَّ إِلا إِذا شَهِدَ معهنَّ رجلٌ، فكان الثابتُ بشهادتهن نصفَ المال وبشهادة الرجل النصف الآخر، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم في نقصان عقل النساء: «عَدَلَتْ شهادةُ اثنتين


(١) عزاه في "كنز العمال" إلى الديلمي، عن أنس، وعند الرجوع "لمسند الفردوس" لم نجده. انظر كنز العمال ٤/ ٢٢٠، رقم (١٠٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>