للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال مالك، والليث، والشّافعيّ ـ في القديم ـ: العُمْرَى تمليك المنافع دون العين، فيكون للمُعْمَر السُكْنَى، فإذا مات رُدَّت إلى المُعْمِر لأنّها عَارِيَّة مؤقتةٌ. وإن قال: له ولعقبِه، كانت سكناها لهم، فإذا انقرضوا عادت إلى المُعْمِر لأنّ هذا تمليكٌ مؤقتٌ، وتمليك العين لا يتأقّت، ولِمَا في «صحيح مسلم» عن جابر قال: إنما العُمْرَى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: هي لك ولعقبِك، فأمّا إذا قال: هي لك ما عشتَ، فإنها ترجع إلى صاحبها. قال مَعْمَر: كان الزّهْري يُفْتِي به. وعن ابن الأعْرَابِيّ: لم يختلف العرب في العُمْرَى والرُّقْبَى على أَنَّها ملك أربابها، ومنافعها لمن جعلت له.

ولنا: ما روى الشيخان عن أبي سَلَمَة، عن جابر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: العُمْرَى لمن وُهِبَتْ له». وفيهما عن أبي هريرة مرفوعاً: «العُمْرَى جائزةٌ». وما روى مسلم عن أبي الزُّبَيْر، عن جابر قال: أَعْمَرَت امرأةٌ بالمدينة حائطاً لها ابناً لها. ثم تُوُفِّي، وتوفيت بعده وترك ولداً وله إخوةٌ بنون للمُعْمِرَة، فقال ولد المُعْمِرة: رجع الحائط إلينا. وقال بنو المُعْمَر: بل كان لأبينا حياتَه وموتَه. فاختصموا إلى طارقٍ مولى عثمان. فدعا جابراً، فشهد أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالعُمْرى لصاحبها، فقضى بذلك طارقٌ. ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره بذلك، وأخبره بشهادة جابر، فقال عبد الملك: صدق جابرٌ. فأمضى طارقٌ ذلك الحائط لبني المُعْمَر حتّى اليوم. وما في «صحيح مسلم» أيضاً عن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسِكوا عليكم أموالكم ولا تُفسِدوها، فإنّه من أعْمَر عُمْرى فإنها للذي أُعْمِرَهَا حياً وميِّتاً ولِعَقِبِهِ».

وما في «سنن أبي داود» عن عُرْوَة، عن جابر أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «من أعمر عُمْرَى، فهي له ولعقبِه يرِثُها مَنْ يرثه من عقِبه». وفيها أيضاً عن طارق المَكِيّ، عن جابر قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأةٍ من الأنصار أعطاها ابنها حديقةً من نخلٍ فماتت، فقال ابنها: إنّما أعطيتها حياتها، وله اخوةٌ، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «هي لها حياتَها وموتَها». قال: كنت تصدّقت بها عليها، قال: «ذلك أبعد لك». قال ابن القَطَّان: (يقال) (١) : إسناده كلهم ثقات. وطارق المَكِّيّ هو قاضي مكّة مولى عثمان بن عفان، وهو ثقةٌ. قال أبو زُرْعَة: ورواه أحمد بسندٍ كل رجاله ثقات، وهو: حدّثنا رَوْحٌ: حدّثنا سُفْيَان الثَّوْرِيّ، عن حُمَيْد بن قَيْس، عن محمد بن إبراهيم، عن جابر: أنّ رجلاً من الأنصار أعطى أُمّه حديقةً من نخلٍ حياتَها، فماتت، وله إخوةٌ، فقالوا: نحن فيه شَرْعٌ


(١) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>