للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما نَقَص بِفِعْلِهِ يُضْمَنُ.

واسْتِخْدَامُ العَبْدِ غَصْبٌ، لا جُلُوْسُهُ عَلَى البِسَاطِ.

===

العَقار الغَصْب، ويضمن بالهلاك في يد آخِذه قَهْراً عن مالكه، وهو قول أَبي يوسف أَولاً، وبه قال مالك والشَّافعيّ وأَحمد، لأَنه أَثبت يده على وَجْهٍ تضمن تفويت يد المالك عنه، فانعقد ذلك سبباً للضمان، كما في المنقول.

ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى أَنَّ الغَصْبَ إِزَالَةُ اليد المُحِقَّة بإِثبات اليد المبطلة، لأَن الواجب ضَمَانُ جَبْرٍ فيعتمد التفويت، وإِزالة يد المالك إِنَّما تكون بالنقل والتحويل، وذا لا يتصور في العَقَار، وإِنما يتصور فيه منع المالك عنه، ومنع المالك تَصَرفٌ فيه لا في المحل. وصار كما لو بَعُدَ المالك عن مواشيه حتى تَلِفَتْ بذلك.

وأَمَّا قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَصَبَ شِبْرَاً مِنْ أَرْضٍ طَوَّقَهُ اللَّهُ تعالى يومَ القيامةِ مِنْ سَبْع أَرَضين» (١) ، فلا يدل على أَنه يتحقق فيه الغَصْب الموجِب للضَّمَان، كإِطلاق لفظ البيع على بيع الحر في حديث: «مَنْ باع حراً». قال ابن الأَثير: طوقه من سبع أَرضين: أَي يخسف الله به الأَرض فتصير البقعةُ المغصوبة منها في عُنُقه كالطَّوْق. ويؤيده أَنه في روايةٍ للبخاري: «خسف به إِلى سَبْع أَرضين». وفي «مسند ابن أَبي شيبة»: «من غصب شِبْرَاً من أَرْضٍ جاءته إِسْطَامَاً في عنقه». والإِسْطَام: كالحَلَق من الحديد. وقيل: هو أَنْ يُطَوَّقَ حَمْلَهَا يومَ القيامة، أَي يُكَلَّفه، فيكون من طوق التكليف لا من طَوْق التقليد.

هذا، والحديث المذكور هو حجتنا في ذلك، فإِنه صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ جزاء غاصب العَقار الوعيد في العُقْبَى ولم يذكر الضمان في الدنيا، فذلك دليلٌ على أَنَّ المذكور جميع جزائه، ولو كان الضمان واجباً لكان الأَوْلى أَنْ يُبَيِّنَهُ، لأَنَّ الحاجة إِليه أَمْسّ.

(وما نَقَص) العَقار (بِفِعْلِهِ) أَوْ بِسُكْنَاه في الدار وزرعه في الأَرض (يُضْمَنُ) عندهم جميعاً، لأَنَّ هذا إِتلافٌ، والعقار يُضْمن بالإِتلاف اتفاقاً، كما إِذا نقل ترابه، لأنه فِعْلٌ في العين. وجاز أَنْ لا يضمن بالغَصْب، ويضمن بالإِتلاف كالحُرِّ.

(واسْتِخْدَامُ العَبْدِ) والحَمْلُ على الدابةِ (غَصْبٌ، لا جُلُوْسُهُ) أَي ليس جلوس الجالس (عَلَى البِسَاطِ) الذي لغيره غَصْبَاً له، لأَنه بجلوسه عليه لم يفعل فيه شيئاً يكون به مزيلاً لِيَدِ مالكه، وبسط البِسَاطِ فِعْلُ مالكه. فتبقى يده فيه ما بقي أَثَرُ فعله،


(١) أَخرجه الإِمام مسلم في صحيحه ٣/ ١٢٣٠، كتاب المساقاة (٢٢)، باب تحريم الظلم وغصب الأَرض وغيرها (٣٠)، رقم (١٣٧ - ١٦١٠)، مع اختلاف يسير في اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>