للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُعلم أَنه لو بقي لظهر، ثُم قُضِي عَلَيْهِ بالبَدَلِ. والقَوْلُ فِيْهِ للغَاصِب إِنْ لَمْ يُقِمِ حُجَّةً عَلَى الزِّيَادَةِ، فإِنْ ظَهَرَ وقِيْمَتُهُ أَكْثَرُ وَقَدْ ضَمِنَ بِقَوْلِهِ، أَخَذَهُ المَالِكُ وَرَدَّ بَدَلَهُ، أَوْ أَمْضَى الضَّمَانَ. وإِنْ ضَمِنَ لا بِقَوْلِهِ فَهُوَ لِلغَاصِبِ.

===

يعلم أَنه) أَي المغصوب (لو بقي لظهر ثُم قُضِي عَلَيْهِ بالبَدَلِ) لأَن الحق متعلق بالعين، وللناس أَغراض في الأَعيان فلا يقبل قول الغاصب في هلاكها حتى يحصل به (١) غلبة ظن: إِما بإِقامة بينة، وإِما مُضِيِّ مدة. ومدَّةُ ذلك موكولةٌ إِلى رَأي القاضي، فإِذا عَلِم الهَلاكَ سَقَط رَدُّ عَيْنه، ولزم رَدُّ بَدَلِه. وهذه المسأَلة تدل على أَنْ الموجِبَ الأَصلي رَدُّ العين.

(والقَوْلُ فِيْهِ) أَي في البدل (للغَاصِب) مع يمينه (إِنْ لَمْ يُقِم) المالكُ (حُجَّةً عَلَى الزِّيَادَةِ) لأَن المالك يَدَّعِي الزيادة في القيمة على الغاصب بلا حجة، وهو ينكرها، والقول قول المُنْكِر مع يمينه. ولو أَقام الغاصب البينةَ لا تقبل لأَنها تنفي الزيادة، والبينة على النَّفْي لا تُقْبَل.

(فإِنْ ظَهَرَ) المغصوب (وقِيْمَتُهُ أَكْثَرُ) مِمَّا ضَمِن الغاصب (وَقَدْ ضَمِنَ) الغاصب (بِقَوْلِهِ) أَي بقول نفسه مع يمينه (أَخَذَهُ المَالِكُ وَرَدَّ بَدَلَهُ) لأَن رضاه بهذا القَدْر لم يتم، لأَنه كان ادَّعِى الزيادة، وإِنَّما أَخذ دونها لعدم البينة له عليها. (أَوْ أَمْضَى الضَّمَانَ) وكذا لو ظهر المغصوبُ، وقيمتُهُ مِثْلُ ما ضَمِنه الغاصب، أَوْ دونه على الأَصح. وقال الكَرْخِي: لا خِيار للمالك في المِثْلِ والدُّون، لأَنه توفر عليه بدل مِلْكه بكماله.

(وإِنْ) ظهر المغصوبُ، وقيمتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا ضَمِن الغاصب، وقد (ضَمِنَ) الغاصِبُ (لا بِقَوْلِهِ) بل بِقَوْل المالك، أَوْ بِبَيِّنَةٍ أَقَامَهَا، أَوْ بِنُكُول الغاصب عن اليمين (فَهُوَ لِلغَاصِبِ) ولا خيار للمالك، لأَنه رَضِي بالمبادلة فيه بهذا القدر حيث ادعاه ولم يدع زيادة عليه، وبه قال مالك. وعند الشافعي وأَحمد له الخِيار لعدم زوال ملكه عندهما عنه (٢) ، ولقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُم بِالبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تكونَ تجارةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم} (٣) فاللَّهُ تعالى جعل أَكْلَ مال الغير قسمين: قسم بالباطل، وقسم بالتجارة عن تراضٍ. وهذا ليس بتجارةٍ عن تراض، فيكون أَكْلاً بالباطل. والمَعْنَى فيه أَنْ الغَصْب عُدْوانٌ مَحْضٌ، لأَنه ليس فيه شبهةُ الإِباحة بوجهٍ ما،


(١) أَي بالحبس.
(٢) أَي عن المغصوب.
(٣) سورة النساء، الآية: (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>