للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وروى الدارقطني بسنده إلى عثمان بن أبي العاص: الحائضُ إذا جاوزتْ عشرةَ أيام فهي بمنزلة المستحاضة، تغتسِلُ وتصلي. وعثمانُ هذا صحابي. وبطريقٍ آخر له إلى سعيد بن جُبَير قال: الحيضُ ثلاثةَ عَشَر. وأَسند مثلَه عن سفيان (١) . وهو (٢) قولُ عُمَر وعلي وابن مسعود وابن عباس.

فهذه عِدَّةُ أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بطُرقٍ متعددة تَرفعُ الضعيفَ إلى الحسَن. والمقدَّراتُ الشرعية مما لا يُدَركُ بالرأي، فالموقوفُ فيها حُكمُه الرفعُ. بل تسكُنُ النفسُ بكثرة ما رُوي فيه عن الصحابة والتابعين إلى أنَّ المرفوع مما أجاد فيه أولئك الرواةُ الضعفاء. وبالجملة فله أصلٌ في الشرع، بخلافِ قولهم: أكثَرُه خمسةَ عَشَر يوماً، فإنه لم يُعلَم فيه حديثٌ حسَنٌ ولا ضعيف، ولهذا رجَعَ عنه أبو حنيفة، والله سبحانه أعلم.

وأمَّا ما استدلُّوا به مِنْ أنه صلى الله عليه وسلم قال: «تَمْكُثُ إحداكُن شطرَ عُمرِها لا تصلي». فقال ابن الجوزي في «التحقيق»: إنه لا يُعرَف، وقال البيهقي: لم أجده في شيء من كتب الحديث، وقال ابن مَنْدَه: لا يَثْبُتُ هذا بوجهٍ من الوجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو سُلِّم أنه ثابتٌ، فمَنْ بلغتْ بخمسَ عشرةَ سنة إذا حاضَتْ مِنْ كلِّ شهرٍ عشرةً، وماتت في ستين سنة، كانت تاركةً للصلاة شطرَ عُمرها، على أنَّ الشطرَ نصفُ الشيء وجُزؤه كما في «القاموس»، ومنه قولُه تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَك شَطَرَ المسجدِ الحرام} (٣) . وحديثُ الإِسراء: «فَوَضَعَ شَطْرَها» (٤) أي بعضَها.

ويُسَنُّ للمرأةِ أن تَحتشِيَ عند الحيض قُطنةً لتتعرَّفَ بها حالَها، وتُطيِّبَها بمِسْكٍ أو غاليةٍ (٥) لتَذهبَ رائحةُ دمِها.


(١) وهكذا جاء في "فتح القدير"٢/ ١٦٢. والذي رواه الدارقطني في "سننه" عن سفيان قوله: أقل الحيض ثلاث، وأكثره عشر". وكذلك أسند الترمذي في "سننه" ١/ ٢٢٨، كتاب الطهارة (١)، باب ما جاء في المستحاضة … (٩٥)، رقم (١٢٨)، عن سغيان الثوري قوله: "أقل الحيض ثلاثة ثلاثة وأكثره عشرة".
(٢) أي تحديد الحيض بأن أقلَّه ثلاثة وأ كثر عشرة.
(٣) سورة البقرة، آية: (١٤٩). والاستشهاد بهذه الآية هنا غير سديد، لأن الشطر معناه: الجهة والناحية، وليس فيها معنى الجزئية إطلاقًا.
(٤) أخرجه البخاري (فتح الباري) ١/ ٤٥٨ - ٤٥٩، كتاب الصلاة (٨)، باب كيف فرضت الصلوات في الإِسراء (١)، رقم (٣٤٩).
(٥) الغالية: أخلاط من الطيب. المصباح المنير ص ١٧٢، مادة (غلا).

<<  <  ج: ص:  >  >>