للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَتَوَّسَّدُهُ وَيَفْرُشُهُ، وَيَلْبَسُ ماسُدَاهُ إبْرِيْسَمُ ولُحْمَتُهُ غَيرُهُ،

===

ويستحبّ لبس الثياب الجميلة للتجمُّل والتزيُّن وإظهار نعمة الله تعالى لقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ} (١) الآية. ولقوله تعالى: {قَدْ أنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً} (٢) وهو لباس الزِّينة. ولقوله عليه الصلاة والسلام: «إنّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده». رواه الترمذي. وقد رُوِيَ أن أبا حنيفة ارتدى بِرِداء قيمته أربع مئة دينار. وأمّا إذا لبس الزِّينة للتفاخر وإظهار التكاثر، فهو حرامٌ ليس فيه كلام.

(وَيَتَوَسَّدُهُ) أي يجوز أن يجعل الحرير وسَادة أي مِخَدَّة (وَيَفْرُشُهُ) ويستر به بابه عند أبي حنيفة، وقالا: يكره للعمومات، ولأنّه من زِيّ المترفهِين، وهيئة المتنعمين من الكفار والفجار، وقد ذمهم الله تعالى بقوله: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَوتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} (٣) ، وبقولهما قال مالك والشَّافعيّ، وهو الصحيح لِمَا في «صحيح البخاري» عن ابن أبي ليلى عن حُذَيْفَةَ قال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ نشرب في آنية الذَّهب والفضة، وأن نأكل فيها، وعن لبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليهما.

ولأبي حنيفة: ما أخرجه ابن سعد في «الطبقات» في ترجمة ابن عباس، عن راشد مولى لبني (٤) عامر قال: رأيت على فراش ابن عباس مِرْفَقة حرير. وما أخرجه عن مؤذن بني وداعة قال: دخلت على ابن عباس وهو متّكيء على مِرْفَقَةِ (٥) حرير، وسعيد بن جُبَيْر عند رجليه وهو يقول: انظر كيف تحدِّث عني فإنك حفظت عني كثيراً.

(وَيَلْبَسُ) الرجل (ماسُدَاهُ) بضم أوله وهو طوله (إبْرِيْسَمُ) بكسر الهمزة والراء وفتح السين المهملة الحرير (ولُحْمَتُهُ) بضم لامه أي عرضه (غَيْرُهُ) أي غير إبْرِيْسَم، من قطن وكَتان وصوف. ويستوي فيه الحرب وغيره لما روى عبد الرَّزاق في «مصنفه» عن وَهْب بن كَيْسَان أنه قال: رأيت ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبَسون الخز: سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد، وأبو هريرة، وأنس بن مالك. والخَزّ: هو المُسَدَّى بالحرير. ولما في «سنن أبي داود» عن خُصَيْف، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: إنما نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الثوب المُصْمَت (٦) من الحرير.

فأمّا العَلَم من الحرير وسُدَى الثّوب فلا بأس به، ولأنّ الثوب إنّما يصيرُ ثوباً


(١) سورة الأعراف، الآية: (٣٢).
(٢) سورة الأعراف، الآية: (٢٦).
(٣) سورة الأحقاف، الآية: (٢٠).
(٤) في المطبوع: ابن عامر، والمثبت من المخطوط.
(٥) المِرْفَقَةُ: ما يُرتفق عليه من مُتكإٍ أو مِخدَّة. المعجم الوسيط ص ٣٦٢، مادة: (رفق).
(٦) المُصْمتَ: الخالص لا يخالطه غيره، المعجم الوسيط ص ٥٢٢، مادة: (صمت).

<<  <  ج: ص:  >  >>