للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أمَّا كونُ الزائد على العادة في الحيض والنفاس استحاضةً إذا جاوز أكثرَهما: فلقولِ عائشة رضي الله عنها: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة: «تدَعُ الصلاةَ أيامَ أَقْرَائها، ثم تغتسلُ مرةً، ثم تتوضَّأُ إلى مثلِ أيام أقرائها».

وقولِ سَوْدَة بنت زَمَعة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المستحاضةُ تدَعُ الصلاةَ أيامَ أقرائها التي كانت تَجلِسُ فيها، ثم تَغتَسِلُ غُسلاً واحداً، ثم تتوضَّأُ لكلِّ صلاة». رواهما الطبراني (١) .

ولأنَّ ما تراه في أيام عادتِا في الحيض حيضٌ يقيناً، وفي النفاسِ نفاسٌ يقيناً، وما تراه فيما زاد على أكثرِ الحيضِ والنفاسِ استحاضةٌ يقيناً، وما تراه فيما بينهما مشكوكٌ فيه، فأُلحِقَ بما زاد على أكثرهما، لأنه يجانسه في كونه مخالفاً للعادة.

ثم قيل (٢) : لا تصلي في الزائد على العادة لاحتمالِ صيرورتَها أهلاً، وعدمِ صيرورتها، فتَبقى كما كانت.

وأمَّا كونُ ما تراه الحاملُ استحاضةً فلأنه لو جاز اجتماعُ الحيضِ والحملِ لم يكن الحيضُ دليلاً على عدمِ الحمل، وقد جعله الشارعُ دليلاً عليه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: إنَّ الله رفَعَ الحيضَ عن الحُبلَى وجَعَل الدَمَ رزقاً للولد، رواه ابن شاهين. وعن عائشة: الحاملُ لا تَحيضُ. رواه الدارقطني. ومثلُ هذا لا يقال بالرأي، فيُحمَلُ على أنهما قالا ذلك سماعاً.

وقال مالك والشافعي في الجديد: ما تراه الحاملُ على ترتيب أدوارها حيضٌ.

ومن الدليل لنا أنه لمَّا نزَلَ قولُه تعالى: {والمُطَلَّقاتُ يَتَربَّصْنَ بأنفسهن ثلاثةَ قُرُوء} (٣) قالت الصحابةُ: فإن كانت آيسةً أو صغيرةً فنزلَتْ {واللائي يَئِسْنَ مِنْ المَحِيضِ مِنْ نسائِكم} (٤) الآيةَ. فقالوا: إن كانت حاملاً؟ فنزلت: {وَأُولاتُ الأحمالِ أجلُهُنَّ أن يَضعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٥) . ففيه تنبيهٌ على أنَّ الحامل لا تَحيض، وأنها ليست من


(١) الحديث الأول في المعجم الصغير ص ٤٨٩ (من اسمه يونس).
والحديث الثاني في المعجم الأوسط (مجمع الزوائد ١/ ٢٨١).
(٢) وهو الأصح، حيث جاء في "فتح القدير" ١/ ١٧٦ - ١٧٧: وهل تترك بمجرد رؤيتها الزيادة؟ اختلف فيه، قيل: لا إذا لم يتيقن بكونه حيضًا لاحتمال الزيادة على العشرة، وقيل: نعم استصحابًا للحال، ولأن الأصل الصحة، وكونه استحاضة بكونه عن داء، وهو الأصح.
(٣) سورة البقرة، آية: (٢٢٨).
(٤) سورة الطلاق، آية: (٤).
(٥) الموضع السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>