وعن ما لم يُرَ بغَسْلِه وعَصْرِه ثلاثًا إِن أمكَنَ، وإلا يُغسَل ويُترَك إِلى عَدَمِ القَطَرانِ، ثُمَّ وثُمَّ
===
وقال مالك والشافعي ومحمد وزفر: لا يَطْهُرُ النَّجِسُ إلا بالماء، لأنَّ المائع يَتنجَّسُ بأَوَّلِ الملاقاة، والنَّجِسُ لا يُفيدُ الطهارة، لكن تُرِكَ هذا القياسُ في الماءِ بالإِجماع. ولعلَّ سندَهُ جَعْلُه تعالى الماءَ طَهُوراً؟.
ولهما: أنْ الماء مطهِّرٌ لكونه مائعاً مُزِيلاً للنجاسة عن المحلِّ، فكلُّ ما يكون كذلك فهو مطهِّرٌ كالماء. و: ما رَوى البخاري من حديث عائشة أنها قالت: ما كان لإِحدانا إلا ثوبٌ واحدٌ تَحِيضُ فيه. فإذا أصابه شيءٌ من دَمٍ قالَتْ ـ أي فعَلَتْ ـ برِيقِها فمَصَعتْه بظُفُرِها». ويُروَى: فقَصَعَتْه. والمَصْعُ بمهملتين: الإِذهابُ، والقَصْعُ بمهملتين: الدَّلْكُ. وفيه أنَّه إنما يَتم الاستدلالُ لو ثبَتَ أنها قد صلَّتْ به، و: كان زائداً على قَدْرِ العفو، و: اطَّلَع عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم و: أَقرَّها عليه.
وذكَرَ التُّمُرْتَاشيُّ: أنَّ الدم إذا غُسِلَ ببولِ ما يُؤكلُ لحمُه تَزولُ نجاسةُ الدمِ وتَبقى نجاسةُ البول. وأمَّا الماءُ المستعَملُ فيجوز به إزالةُ النجاسةِ الحقيقيةِ اتفاقاً.
(وعن ما) أي ويَطهُرُ الشيءُ عن نَجَسٍ (لم يُرَ) أي لم يكن مَرْئيَّاً (بغَسْلهِ وعَصْرِه) من غيرِ لَيِّهِ إلى أن ينقطِعَ تقاطُرُه (ثلاثاً) أي ثلاثَ مرات، وهو قيدٌ لهما. وعن محمد أنَّ العصر في المرَّةِ الثالثة كاف، وهو أرفق، والأوَّلُ ظاهر الرواية. وقيل عن أبي يوسف ومحمد أيضاً: إنه يطْهُرُ إنْ ظُنَّ طهارَتُه بالغَسَلاتِ الثلاث بلا عَصْر، والمدارُ على غلبةِ الظنّ لأنه دليلٌ شرعي. وعند الشافعي رحمه الله تعالى: المرَّةُ كافية. وإنَّما قُدِّرتْ غلبةُ الظن بالثلاثِ لأنها تَحصُلُ عند هذا العدد غالباً. وقيل: بالسبع دفعاً للوسوسة كما في الاستنجاء.
(إِنْ أمكَنَ) أي عَصْرُه (وإِلا) أي وإن لم يُمكِن عَصْرُه كالخَشَب والجِلْد المدبوغ بالنَّجَس (يُغسَل ويُترك إلى عدم القَطَران) أي قَطْرِ الماء، وهو بفتح القاف والطاء، في آخرِه نون، مَصدَرٌ لقَطَرِ الماء، وهو بفتح الطاء يَقطُرُ بضمها. وفي بعض النسخ: بمثناة فوقية مكان النون، جَمْعُ قطرة. وإنما يُترَكُ إلى ذلك لأنه يقومُ مقامَ العصر. (ثُمَّ) يُغسَل ويُترَك إلى عدَم القَطَرانِ (وثُمَّ) يُغسَل ويُترَك إلى عدَمِ القَطَران، وهذا عند أبي يوسف. وقال محمد: ما لم يُمكِن عصرُه لا يَطْهُر. ويَطهُرُ عند أبي يوسف ما لا يَنعصر إذا تنجَّسَ بغسلِه وتجفيفِه (١) ثلاثاً كالحنطةِ المتنجِّسة، والخَزَفِ، والخشبِ
(١) معنى التجفيف هنا: أن يُخَلّيه حتى ينقطع منه التقاطر، ولا تبتل منه اليد، وليس معناه: اليُبْس وانتفاء الرطوبة بالمرّة. أفاده الشيخ عبد الفتاح رحمه الله. انظر "رد المحتار" ١/ ٢٢١.