للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنْ قَامَ بِهِ بَعْضُ سَقَطَ عَنْ البَاقِينَ، وإلّا أثِمُوا.

===

سنة (إِنّ قَامَ بِهِ بَعْضٌ) من المسلمين (سَقَطَ عَنْ البَاقِينَ) لحصول المقصود (وإلاّ) أي وإن لم يَقُمْ به البعض (أَثِمُوا) أي أثم كلٌّ من المسلمين بتركه، لأنه فرضٌ عليهم.

وفي «الذَّخِيرَة»: عند النَّفِيرِ العام يصيرُ فرضَ عينٍ على مَنْ يَقرُب من العدو وهم يقدرون على الجهاد. وأمّا مَنْ عَدَاهُمْ ممن بَعُدَ، ففي حقّهم فرض كفاية إذا لم يُحتج إليهم، فإذا احتِيجَ إليهم بأن عَجَزَ القريب أو تكاسل ولم يجاهد، يصيرُ فرضَ عينٍ على من يَلِيْهم ثم وثم، إلى أن يُفرضَ على جميع أهل الإسلام شرقاً وغرباً على هذا التدريج، كالصلاة على الميت، تجب على أهل محلَّتِهِ، ولا تجب على بعيدٍ من الميت، إلا إذا علم أنّ أهل الميت يُضَيِّعُون أو عاجِزُونَ عن إِقَامَتِهَا.

وقال ابن المسيَّب: الجهاد ابتداءً فرضُ عينٍ. وقال الثوري: ليس بفرضٍ، وقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُم القِتَالُ} (١) للنّدب، كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ المَوْتُ إنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} (٢) .

ولنا قوله تعالى: {لَا يَسْتَوي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وِالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الحُسْنَى} (٣) ، ولو كان فرضَ عينٍ لذمّ تاركَه ولم يَعِد بالحُسنى. وأيضاً كان الصحابة يغزو بعضهم ويقعد بعضهم، ولو كان فرْضَ عينٍ لما قعدوا. وروى أبو داود أنّه عليه الصلاة والسلام قال: «لا تزالُ طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرينَ على من نَاوأَهُمْ (٤) حتى يقاتلَ آخرُهم المسيح الدجال».

وفي المتفق عليه: «والذي نفسي بيده لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيبُ أنفُسُهم أن يتخلَّفوا عني، ولا أجدُ ما أحملهم عليه ما تخلَّفْتُ عن سريّة تغزو في سبيل الله». وفيه أيضاً: «من جَهَّز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خَلَف غازياً في أهله بخيرٍ فقد غزا». ولأن المقصود منه إِعلاءُ كلمةِ اللَّه وقهرُ أعدائه، وذلك يحصل بالبعض، كصلاة الجنازة وردّ السلام، وعليه انعقد إجماع العلماء الأعلام.

وفي «المبسوط» و «الذَّخِيرَة»: كان صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر مأموراً بالصفح عن


(١) سورة البقرة، الآية: (٢١٦).
(٢) سورة البقرة، الآية: (١٨٠).
(٣) سورة النساء، الآية: (٩٥).
(٤) ناوَأهم: أي نَاهَضَهم وعاداهم. النهاية ٥/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>