للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَجِبُ القَوَدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إنْ أمْكَنَ المُمَاثَلَةُ: كَقَطْعِ اليَدِ مِنَ المَفْصِلِ، وَالرِّجْلِ، وَمَارِنِ الأَنْفِ، وَالأُذُن، وَكُلِّ شَجَّةٍ يَمْكِنُ فيها المُمَاثَلَةُ، وَعَيْنٍ قَائِمَةٍ ذَهَبَ ضَوْؤُها.

فَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ، وَتُقَابَلُ عَيْنُهُ بِمِرْآةٍ مُحْمَاةٍ،

===

وكذّبه الوليّ، فلا بدّ من بيّنة. قيل: يكفي الشاهدان، لأن البيّنة تشهد على وجوده مع المرأة، وقيل: يأتي بأربعة، لأنه رُوِيَ عن علي كذلك.

والخنق والتغريق والإلقاء من جبلٍ أو سطحٍ أو في بئرٍ لا يوجِب القَوَد، إلاّ إذا تكرّر منه ذلك عند أبي حنيفة، وهما أطلقاه لقوله عليه الصلاة والسلام: «من عَرَّضَ عَرَّضْنَا لَهُ (١) ، ومن حَرَّق حَرَّقناه، ومن غَرَّق غَرَّقْنَاه» (٢) . وله: أن وجوب القصاص مختصٌ بقتلٍ، وهو عمدٌ مَحْضٌ، وذا بأن يباشره بآلةٍ وهي الجارحة، وإذا لم يجب القصاص عنده يجب الدِّية على العاقلة.

(وَيَجِبُ القَوَدُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) من الأعضاء (إنْ أمْكَنَ المُمَاثَلَةُ) لقوله تعالى: {وَالعَيْنَ بِالعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ والأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ والجُرُوح قِصَاصٌ} (٣) أي ذات قصاص، ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرُّبَيِّع بنت النَّضر السابق: «كتاب الله القصاص» (٤) ولفظ القِصاص ينبيء عن المماثلة، فكلّ ما أمكن رعاية المماثلةِ فيه يجب فيه القصاص وما لا فلا. ولا مُعْتَبَر لِكِبَر العُضْو وصغره، لأنه لا يوجب التفاوت في المنفعة، إلاّ في الشَّجَّة إذا أَخذت ما بين قرنيّ المشجوج ولم تأخذ ما بين قرني الشَّاجِّ لِكِبَر رأسه على ما سيأتي.

(كَقَطْعِ اليَدِ مِنَ المَفْصِلِ وَ) قطع (الرِّجْلِ) من المَفْصِل (وَ) قطع (مَارِنِ الأَنْفِ) وهو ما لان من الأنف (وَ) قطع (الأُذُن) لإمكان رعاية الممثالة في هذه الأشياء. وقيّد بالمَفْصِل، لأن قطع اليد من نصف السَّاعد، وقطع الرِّجل عن نصف السَّاق لا قصاص فيه لعدم المماثلة. وقيّد بالمارن، لأن قطع الأنف من قصبته لا يمكن فيه المماثلة، لأنه عظمٌ وليس بِمَفْصِل.

(وَكُلِّ شَجَّةٍ يَمْكِنُ فيها المُمَاثَلَةُ) كالمُوضِحَةِ وهي التي تُظْهِر العظم (وَعَيْنٍ قَائِمَةٍ ذَهَبَ ضَوْؤُها) لإمكان المماثلة (فَيُجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ قُطْنٌ رَطْبٌ وَتُقَابَلُ عَيْنُهُ بِمِرْآةٍ مُحْمَاةٍ) فيذهب ضؤوها وهي قائمةٌ، لما روى عبد الرَّزَّاق في «مصنفه» عن


(١) أَي من عَرَّض بالقَذْف عَرَّضْنا له بتأديبٍ لا يَبْلُغُ الحدّ. النهاية ٣/ ٢١٢.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن ٨/ ٤٣، باب عمد القتل ..
(٣) سورة المائدة، الآية: (٤٥).
(٤) سبق تخريجه من قبل الشارح ص ٣١٦ - ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>