للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن جاوَزَ المخرَجَ أكثرُ مِن درهم فواجب، فيَغسِلُه ببطونِ الأصابع بعدَ غَسْلِ اليد

===

هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أَتى الخلاءَ أَتيته بماءٍ في تَوْرٍ (١) أو رِكْوَة (٢) ، فاستَنْجَى، ثم مسَحَ يدَهُ على الأرض، ثم آتيهِ بإناءٍ آخَرَ فيتوضَّأ.

ومما يدلُّ على مواظبتِه عليه الصلاة والسلام الموجبِةِ لكونه سُنَّةً، ما رواه ابن ماجه عن عائشة قالت: ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ من غائطٍ قطُّ إلا مسَّ ماءً.

(وإن جاوَزَ المخرَجَ أكثرُ مِنْ درهمٍ) أي من النجاسة. ورُوي «أكثَرَ» بالنصب، أي جاوَزَ الحَدَثُ المذكورُ حالَ كونِ ذلك الحدَثِ المجاوِزِ أكثرَ من درهم، أو مجاوزَةً أكثرَ من درهم (فواجبٌ) أي غَسْلُ المجاوِز، لأنَّ ما على المَخْرَجِ إنَّما اكتُفي منه بغيرِ الغسل للضرورة، ولا ضرورةَ في المجاوِز.

وعبارةُ «الكنز»: ويجبُ إن جاوَزَ النَّجَسُ المخرَجَ، ويُعتَبَرُ القَدْرُ المانعُ وراءَ موضعِ الاستنجاء. أمَّا لو جاوَزَ المخرجَ قدْرُ الدرهم فعند أبي حنيفة وأبي يوسف: لا يجبُ غَسْلُه، وعند محمد: يجبُ غَسْلُهُ ولو قلَّ، بناءً على أنَّ المخرَجَ كالظاهِر وهو قولُ محمد، وكالباطِنِ وهو قولُهما (٣) .

(فيَغسِلُه ببطونِ الأصابع) أي مِنْ يدِه اليُسرَى، ولا يُقدَّرُ غَسْلُه بعدَدٍ، لأنَّ النجاسة مَرْئِيَّة، ويدَلُّ على إزالتِها ذهابُ مُلَامَستِها، إلا أنه يُقدَّرُ لقطعِ الوسوسةِ بالثلاث، وقيل: بالسَّبْع. (بعدَ غَسْلِ اليد) لأنها آلةٌ.

ويُستحَبُّ الاستبراءُ من البولِ بتنَحْنُحٍ، أو مشيٍ، أو مسْحِ ذكَرٍ. ولا يُبالِغُ فيه، لأنه يُورِثُ الوسوسةَ الموجبةَ للشبهة، فقد ورد عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم «استنزهوا من البول، فإنَّ عامَّة عذاب القبر منه». رواه الحاكم في «مستدركه» والدارقطني في «سننه» واللفظ له. وعن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم «إنَّ عامَّة عذاب القبر من البول، فتنزَّهوا منه». رواه الحاكم والدارقطني والطبراني (٤) .


(١) تَوْر: هو إناء من صفر - نحاس - أو حجارة. النهاية ١/ ١٩٩.
(٢) الرّكوة: إناء صغير من جلد يُشرب فيه الماء. النهاية ٢/ ٢٦١.
(٣) وهو الصحيح. انظر "رد المحتار" ١/ ٢٢٦.
(٤) وقع في المطبوعة: "استنزهوا مرتين بالغتين أو ثلاثًا" رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والحاكم في "مستدركه" عن ابن عباس. فيه تحريف في لفظ الحديث، فإن الحديث الذي رواه هؤلاء الأئمة عن ابن عباس هو بلفظ: "استنثروا مرتين بالِغَتَين أو ثلاثًا" كما جاء عندنا في المخطوطة، وهو في استنثار الأنف في الوضوء وليس له علاقة في باب الاستنجاء. والظاهر أن الشارح وقع الحديث أمامه محرفًا فسرى عليه التحريف، أو سبق ذهنه وقلمه من حديث إلى حديث، فوقع منه هذا =

<<  <  ج: ص:  >  >>