فالتمسته بيدي، فوقعت يدي على صدر قدميه وهو ساجد يقول: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من عقابك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثْنَيْتَ على نفسك». وليس النسخ في قول الطحاوي بمعنى أنه لا يجوز غيره، بل المراد أنه أفضل، وإنْ جُمِعَ بينهما فهو أكمل.
(ثُمَّ يُسَمِّعُ) ـ بتشديد الميم المكسورة ـ أي يقول المصلّي: سمع الله لمن حمده، بهاء الكناية أو السكتة والاستراحة. ومعنى سمع: أجاب لأن الإجابة مُسَبَّبة عن السماع، واللام في لمن للمنفعة. وقيل: زائدة أي قَبِلَ حَمْدَ مَنْ حَمِدَه، على أنه خبر مبنىً، ودعاء معنىً. (رَافِعاً رَأْسَهُ) أي لا حالة قيامه، ويقول: ربنا لك الحمد خافضاً (ويَكْتَفِي بِهِ) أي بالتسميع وحده (الإمَامُ و) يَكْتَفِي عند أبي حنيفة (بالتَّحْمِيدِ المُؤْتَمُّ) لاكتفاء القوم بالتحميد اتفاقاً، وبه قال مالك. وقال أبو يوسف ومحمد: يجمع الإمام بين التسميع والتحميد. واختاره الطحاوي، وهو رواية عن أبي حنيفة. وهو الأصح من مذهب الشافعي لما روى البخاري عن أبي هريرة قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قال: «سمع الله لمن حمده، قال: اللهم ربّنا لك الحمد». وقد يجاب بأنه محمول على حال انفراده، أو لبيان جوازه، ومع الاحتمال لا يصلح للاستدلال.
ولأبي حنيفة ما رواه الجماعة إلاَّ ابن ماجه، من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربّنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه». وفي رواية لأبي داود وابن ماجه والنَّسائي والطحاوي أنه قال صلى الله عليه وسلم «إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا لك الحمد، يسمع الله لكم». ووجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم قَسَّمَ بين ما يقول الإمام والمأموم، والقسمة تنافي الشركة. فإن قيل: قد وقعت القسمة في قوله صلى الله عليه وسلم «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالين}، فقولوا: آمين». مع أن الإمام يشارك المأموم في قوله آمين، فالجواب أنَّ الشركة بين الإمام والمأموم في قول آمين ثبتت بما روى النَّسائي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول آمين، وإن الإمام يقول آمين». ويقول: ربنا ولك الحمد، أو: اللهم ربنا لك الحمد وقد ورد الأثرُ بهما.
(ويَجْمَعُ المُنْفَرِدُ بَيْنَهُمَا) أي بين التسميع والتحميد عند أبي يوسف ومحمد، وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة، وهو الأصح. كذا في «الهداية»، لأنه إمام نفسه