للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

تامة، لأنها في حَيِّز المنع. وعلى فرض تسليمها يقال: إنما نهاه عنها لجهره بالقراءة، بدليل سماعه لقراءته، وقوله صلى الله عليه وسلم «مالي أُنَازَع القرآن». ولا تثبت المعارضة مع إمكان التوفيق، فَيُحْمَل النهي عن الجهر بها، لاستلزامه المنازعة المذكورة في الحديث. والأمر بها على السرية، بدليل قول أبي هريرة في حديث «قَسَمْتُ الصلاة»: اقرأ بها في نفسك» (١) . فلا يتم بهذا القدر المنع عن القراءة خلف الإمام مطلقاً، وإنما يُفِيد المنع عنها مقيداً.

وأمَّا الكراهة فلظاهر قول سعد بن أبي وَقَّاص: وَدِدْتُ أنَّ الذي يقرأ خلف الإمام في فِيه جَمْرة. رواه محمد بن الحسن، عن داود بن قيس الفَرَّاء المَدَنِيّ قال: «أخْبَرني بعض ولد سعد عنه». ورواه عبد الرَّزَّاق في «مصنفه»، إلاَّ أنه قال: «في فِيه حَجَر». وقول عمر: «ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حَجَراً». رواه محمد بن الحسن، عن داود بن قَيْس، عن ابن عَجْلان، عن عمر رَضِيَ الله عنه. ورواه عبد الرزاق أيضاً. وقول عليّ رَضِيَ الله عنه: «من قرأ خلف الإمام، فقد أخطأ الفِطْرة (٢) ». رواه ابن أبي شَيْبَة، وعبد الرَّزَّاق في «مصنفيْهما» عنه. ولكن يُخَصُّ منه ما رواه الطحاوي، عن عليّ رَضِيَ الله عنه: «أنه كان يأمر، أو يحب أنْ يقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر في الركعتين الأُولَيَيْن بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأُخْرَيَيْن بفاتحة الكتاب».

وأخرج أيضاً عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن أبي حَمْزَة قال: «قلت لابن عباس: أقرأ والإمام بين يديّ؟ فقال: لا». وكذا عن عبد الله بن مِقْسَم: «أنه سأل عبد الله أبن عمر، وزَيْد بن ثابت، وجابر بن عبد الله رَضِيَ الله عنهم فقالوا: لا تقرأ خلف الإمام في شيء من الصلاة. وروى ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه» عن جابر قال: «لا تقرأ خلف الإمام إنْ جهر، ولا إنْ خافت». وفي «مُوَطَّأ محمد بن الحسن»، عن ابن مسعود: نحوه.

فهذه الأخبار الصريحة، المَعْضُودَة بالآثار الصحيحة، تقتضي إخراج المقتدي على طريقة الشافعيّ مطلقاً، وعلى طريقتنا أيضاً من عموم الآية والحديث، لأنه خُصَّ منهما مُدْرِك الإمام في الركوع إجماعاً.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه ١/ ٢٩٦، كتاب الصلاة (٤)، باب وجوب قراءة الفاتحة … (١١)، رقم (٣٨ - ٣٩٥).
(٢) الفِطْرة: أي السُّنَّة. النهاية: ٣/ ٤٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>