للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

«سألت أنساً عن القنوت في الصلاة؟ قال: نعم. فقلت: أكان قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله. قلت: فإن فلاناً أخبرني عنك أنك قلت بعده. قال: كذب، إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهراً». وهذا يصلح مُفَسِّراً لِمَا روى أصحاب «السنن» عنه: «أنه صلى الله عليه وسلم قنت بعده». ومما يحققه: ما رواه ابن أبي شَيْبَة بسنده إلى علقمة: «أنَّ ابن مسعود، وأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع».

وأمَّا دليلنا على كون القنوت في جميع السَّنة: ما روى أصحاب «السنن الأربعة» عن عليّ: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أُحْصِي ثناء عليك، أنت كما أثْنَيْتَ على نفسك». كذا ذكره الشارح. وليس بصريح في المُدَّعى على ما لا يخفى. فالأوْلى أنْ يؤخذ من عموم الأحاديث الواردة في أنه عليه الصلاة والسلام كان يقنت. ثم رأيت في شرح «تُحْفَةِ الملوك»: أنه قال في «جامع الأصول» عن عليّ مرفوعاً: «كان يقول في وتره». فكان هذا الحديث وجه القائل بما تقدم، والله أعلم.

وأمّا تقييده بالنصف الأخير من رمضان فغير صحيح. أو كان حينئذٍ قنوتاً خاصاً زيادة على القنوت المتعارف: بأن يدعو لقوم أو على قوم.

ثم القنوت الذي اختاره علماؤنا: «اللهم إنّا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونُثْنِي عليك الخيرَ، نشكرك ولا نكفرك، ونَخْلَعُ ونترك من يَفْجُرُكَ، اللهم إياك نعبد، ولك نصلّي ونسجد، وإليك نسعى ونَحْفِد (١) ، نرجو رحمتك. ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار مُلْحِق». ومُلْحِق: بكسر الحاء على معنى لاحق، ويجوز فتحها. وفي رواية «الخير كله» و «إن عذابك الجِدّ» ومعنى نحفِد: نسرع أو نقصد. واستحسن بعض علمائنا أن يضم معه قنوت الحسن. ولو لم يُحْسِن القنوت، قال أبو الليث: يقول اللهم اغفر لي ثلاث مرات.

أقول: الأوْلى أن يقول: اللهم اغفر لي ولوالديَّ وللمؤمنين والمؤمنات. وأما قول محمد: ليس في القنوت دعاء مؤقَّت ـ أي مُعَيَّن ـ، فمحمول على غير قوله: «اللهم إنا نستعينك» وقوله: «اللهم اهدنا»، أو محمول على أنه غير معين وجوباً. وفي «المحيط»: المنفرد إن شاء جهر بالقنوت، وإن شاء خافت، والإمام يجهر عند محمد، لأن له


(١) أي عند الشافعي رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>