للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَلْ يَسْكُتُ.

===

لأن القنوت في الفجر منسوخ عند عدم النوازل. (بَلْ يَسْكُتُ) المؤتمّ قائماً في الأظهر ليتابع الإمام فيما يجب متابعته فيه. وقيل: يُطِيلُ الركوع إلى أن يَفْرُغَ الإمام من القنوت. وقيل: يَقْعُدُ. وقيل: يسجد إلى أن يدركه فيه، تحقيقاً لمخالفته. وقال أبو يوسف: يقنت المؤتم في الفجر تَبَعاً لإمامه لالتزامه متابعته بالاقتداء به، فلا يتركه فيما يُحْتَمَلُ أنْ يكون مشروعاً. والقنوت مجتهد فيه، فصار كالاقتداء في العيدين بمن يُكَبِّرُ على خلاف رأيه ما لم يجاوز أقاويل الصحابة.

واعلم أنَّ قنوت الفجر منسوخ عندنا. وأبقاه مالك، والشافعيّ لحديث أنس: «ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا». رواه عبد الرَّزَّاق في «مصنفه». ولقول أبي هريرة: «لأَنَا أقربكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقنت في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح بعدما يقول: سمع الله لمن حمده. فيدعو للمؤمنين ويلعن الكفار». رواه البخاري. وقال الحازِمِي في كتابه «الناسخ والمنسوخ»: ذهب إلى نسخه أكثر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأَمصار إلى يومنا، ورُوي ذلك عن الخلفاء الأربعة. وذكر جمعاً كثيراً من الصحابة والتابعين والفقهاء والمجتهدين.

ومما يؤيده ما رواه ابن أبي شَيْبَة في «مصنفه»، والبزَّارُ في «مسنده»، والطَّبَرَانِي، والطَّحاوِي في «آثاره» كلهم من حديث شَرِيك القاضي، عن أبي حَمْزَة مَيْمُون القَصَّاب، عن إبراهيم، عن عَلْقَمَة، عن عبد الله: قال: «لم يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح إلاَّ شهراً ثم تركه. لم يقنت قبله ولا بعده». وفي لفظ الطَّحاويّ: «قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على عُصَيَّة وذَكْوَان، فلما ظَهَرَ عليهم، ترك القنوت». تابعه أَبَان بن أبي عَيَّاش، عن إبراهيم فقال في حديثه: «لم يقنت في الفجر قط».

وتَضَعِّفُ ابنِ حنبل، وابن مَعِين، وأبي حاتم: أبا حَمْزَة القَصَّاب، بسبب أنه كان كثير الوَهْمِ، فلا يكون حديثه رافعاً لحكم ثابت بالقوي (١) ، مدفوع (٢) : بأن مسلماً روى في «صحيحه»: عن محمد بن المُثَنَّى العَنَزي وابن بشَّار قالا: حدثنا أُمَيَّة بن خَالِد: حدّثَنَا شُعْبة، عن أبي حَمْزَة القَصَّاب، عن ابن عبَّاس، قال: «كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فتواريت خلف باب. قال: فجاء فَحَطَأَني حَطْأَةً وقال: اذهب وادع لي معاوية، قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال لي: اذهب فادع لي


(١) أي فلا يكون حديثه بالقوي. وهذه عبارة ابن الهُمَام في "فتح القدير" ١/ ٣٧٦.
(٢) "مدفوعٌ": خبرُ تضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>