للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يَقلِبُ رِدَاءَهُ،

===

ظهره، وقَلَبَ أو حوَّل رداءه وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس ونزل فصلّى ركعتين. فأنشأ الله سحابة فَرَعَدَتْ وبَرَقَتْ، ثم أمْطَرَت بإذن الله. فلم يأْت صلى الله عليه وسلم مسجده حتى سالت السيول. فَلَمَّا رأى سرعتهم إلى الكِنِّ (١) ضحك حتى بَدَتْ نواجذه. فقال: أشهد أنَّ الله على كل شيء قدير، وأنِّي عبد الله ورسوله». رواه أبو داود وقال: غريب وإسناده جيد. ورواه الحاكم في «المُسْتَدْرَك» وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وتُرَجَّحُ رواية تقديم الصلاة على الخطبة، لأنها عن مُشَاهَدَة بخلاف رواية تأخيرها. ورُوِيَ عنهما أنهما جعلا خطبتين بعد الصلاة إلحاقاً لها بالخطبة للجمعة.

(ولا يَقْلِبُ رِدَاءَهُ) أي لا يَقْلِبُ الإمام رداءه عند أبي حنيفة، وأبي يوسف. والمَرْويّ كان تَفَاؤلاً لقول جابر: «وحَوَّل رداءه ليتحوَّل القَحْطُ». رواه الحاكم. ولقول أنس: «وقَلَبَ رداءه لكي يَنْقَلِبَ القَحْطُ». رواه الطَّبَرَانيّ. لأنه فعلٌ لأمر لا يرجع إلى معنى العبادة، كذا قال الشارح. وفيه: أن فعلَه عليه الصلاة والسلام بقصد تحوُّل القحط عينُ العبادة لتميزه عن فعل العادة. لكن قد يُقال: إنَّ هذا خاص به، لأنه عُرِف بالوحي تَغَيُّرَ حال السماء عند قَلْبِ الرداء.

وعند محمد: أنَّ الإمام يَقْلِبُ رداءه بعد مُضِي صَدْر من خطبته لِمَا تقدَّم. وأما الناس فلا يقلبون أرديتهم عندنا. وقال مالك والشافعي: يقلبون. قال عبد الله بن زيد: «اسْتَسْقَى النبيّ صلى الله عليه وسلم وعليه خَمِيصَة (٢) سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فَلَمَّا ثَقُلَتْ قَلَبَها على عاتقه». زاد أحمد: «وحوّل الناس معه». قال الحاكم: على شرط مسلم. قالوا: ولم يُنْكِرْه صلى الله عليه وسلم عليهم، فكان تقريراً له. وأُجِيبَ: إنه إنما يَتِمُّ أنْ لَو عَلِمَ به. وهو ممنوع لِمَا روينا أنه إنما حَوّل بعد تحويل ظهره إليهم.

وينبغي أن يدعو الإمام بالدعوات المأثورة سرّاً أو جهراً والناس قعود مستقبلي القِبْلة مُؤَمِّنِينَ على دعائه بنحو: «اللهم أغثنا (اللهم أغثنا) (٣) ، اللهم أغثنا سيِّبا (٤) نافعاً،


(١) الكِنُّ: كُلُّ ما وقَى الحَرَّ والبرد من المساكن. الخطّابي بحاشية سنن أبي داود ١/ ٦٩٣.
(٢) الخميصة: هي ثَوْب خَزٍّ أو صوف مُعْلَم. النهاية: ٢/ ٨١، والمُعْلَم: اسم مفعول من أعلم، يقال أعلم الثوب: أي جمل له عَلَمًا من طِراز وغيره. المعجم الوسيط، ص: ٦٢٤، مادة (عَلِمَ).
(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من المخطوط.
(٤) السَّيْبُ: العطاء. المعجم الوسيط، ص: ٤٦٦، مادة (ساب).

<<  <  ج: ص:  >  >>