للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

«أَتَيت النبيّ صلى الله عليه وسلم وأَسلمت، وقلت: يا رسولَ، اجعل لقومي ما أَسلموا عليه، ففعل، واستعملني عليهم أَبو بكر بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم واستعملني عمر بعد أَبي بكر، فلما قَدِم على قومه قال: يا قوم أَدُّوا زكاة العسل، فإِنه لا خير في مال لا تُؤدَّى زكاته. قالوا: كم ترى؟ قلت: العشر، فأَخذت منهم العُشْر، فأَتَيت به عمر رَضِيَ الله عنه، فباعه وجعله في صدقات المسلمين».

وما في «سنن أَبي داود» من حديث عَمرو بن شُعَيب، عن أبيه عن جده قال: «جاء هلال ـ أَحد بني مُتْعَان ـ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعُشور نَحْلٍ له وكان سأله أَنْ يَحْمِي له وادياً يقال له: سَلبَة، فحماه له». ولا شك أَنَّ هذا القَدْر يفيد الوجوب فيه، وإِنَّ أَخْذَ سَعْدٍ لم يكن رأْياً منه ولا تطوّعاً منه فإِنه قال: «أَدُّوا زكاة العسل». والزكاة: اسم للواجب، فيحتمل كونه سَمِعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم وكونه رأياً منه، وحَمْلُه على السماع أَولى بقرينةِ نَفْي الخَيْرِيَّة عن مالٍ لا تُؤدَّى زكاته.

ويدل عليه أَيضاً الحديث المرسل الذي لا شبهة في ثبوته (١) ، وفيه الأَمر منه صلى الله عليه وسلم بأَداءِ العُشور. والمُرسل بانفراده حجّة على ما أقمنا عليه الدليل، وبتقدير أَنْ لا يُحتج به بانفراده، فتعدد طرق الضعيف ضعفاً بغير فِسْق الراوي يفيد حُجِّيَّته، إِذْ يغلِب على الظنِّ إِجادة كثير الغلط في خصوص هذا المتن، وهنا كذلك، وهو المرسل المذكور، فثبتت الحجّية اختياراً منهم ورجوعاً، وإِلا فإلزماً وجبراً.

هذا، ويعتبر أَبو يوسف في رواية نصاب العسل بعَشْر قِرَب، كُلُّ قِرْبَة خمسونَ مَنَّاً (٢) ، لِمَا روى الطَّبَراني عن عمرو بن شُعَيْب، عن أَبِيه عن جده: «أَنَّ بني سَيَّارة ـ بطن من فَهْم ـ كانوا يُؤدون إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نَحْلٍ كان لهم العُشْرَ: من كل عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَة، وكان يَحمِي وَادِيَيْنِ لهم، فلما كان عمر استعمل على ما هناك سفيان بن عبد الله الثَّقَفِي، فأَبَوْا أَنْ يُؤَدوا إِليه شَيئاً، قالوا: إِنَّما كُنَّا نؤدّيه إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب سفيان إِلى عمرَ، فكتب إِليه عمرُ: إِنَّما النَّحْلُ ذباب غَيْث يسوقه اللهُ رِزْقاً إِلى مَنْ يَشاء، فإِنْ أَدَّوا إِليك ما كانوا يؤدون إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحم لهم أَوديتهم، وإِلاَّ فَخَلِّ بينه وبين الناس. فأَدَّوا إِليه ما كانوا يُؤدّون إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فَحَمَى لَهُمْ أَوْدِيَتَهُم)» (٣) . وروى أَبو عُبَيْد القاسم بن سَلاَّم بإِسْنَادِهِ (٤) : «أَنَّ


(١) في المطبوع: فيه، وما أثبتناه من المخطوط.
(٢) المَنّ: مِكيالٌ سعته رطلان عراقِيّان، وهو ما يساوي ٨١٥.٣٩ غرامًا. معجم لغة الفقهاء ص ٤٦٠.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المخطوطة: عن عمرو بن شُعَيب عن أبيه عن جَدِّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>