للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال البيهقيُّ: وهذه الأَحاديث يشد بَعْضُها بَعْضاً، ومعها قول بعض الصحابة. ثُم أَخرج عن عمر أَنه قال: «ليس في الخَضْرَاوات صدقة». ولأَن العقل يجزم باستحالة الغلط على جملة الأَسانيد، كيف وفيها مرسل صحيح، رواه الدَّارَقُطْنيّ عن موسى بن طلحة بن عبيد الله: «أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أَنْ يُؤْخَذ من الخَضْرَاوات صدقة»، وهو حجة عندنا وعند الجمهور.

وأَما قول الترمذي: لم يصح في هذا الباب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم شيءٌ، فإِنما هو باعتبار كل فردٍ فرد، فلا ينفي صحة الإحاديث بجملتها، كالتواتر المعنوي، فينبغي حَمْلُه على صدقةٍ يأْخذها العاشر، وبه يقول أَبو حنيفة. ولِمَا في الصحيحين عن أَبي سعيدٍ الخُدْري قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم «ليس فيما دون خَمْسَةِ أَوسق صدقة». وفي لفظٍ لمُسْلم: «ليس في حَبَ ولا تَمْرٍ صدقةٌ حتى يَبْلُغَ خمسة أَوسق». وفي رواية: «ولا ثمر» بالمثلثة. وفي لفظٍ لأَبي داود: «ليس فيما دون خمسة أَوْسق صدقة». وروى أَحمد وابن ماجه عن أَبي سعيد الخُدْري: أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الوَسْقُ سِتُّونَ صاعاً».

ولنا عموم قوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ما كَسَبْتُم وممَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} (١) ، وما روى البخاري وأَصحاب السُّنن من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فيما سَقَتِ السماءُ والعيون أَوْ كان عَثَرِياً العُشْرُ، وفيما سُقي بالنَّضْح نصفُ العُشْرِ». والعَثَرِي: بالعين المهملة والمثلثة المفتوحتين وبالراء. قال الخَطَّابي: هو الذي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ غير سَقْي.

والمراد بالنضح: هنا السَّوَاني (٢) ، لما في رواية البخاري: «وفيما سُقي بالسانية».

ورواه أَبو داود بلفظ: «فيما سَقَتِ السماءُ والأَنهار والعيون أَوْ كان بقلا العُشْر، وفيما سُقِي بالسواني والنضح نصف العُشْر». ورواه مسلم بلفظ: «فيما سَقَتِ السماءُ والغيم، وفيما سُقِي بالسانية نصف العُشْر». وفي نسخة: «فيما سَقَتِ الأَنهارُ والغيم». ومن الأَثر قول عمر بن عبد العزيز: «فيما أَنْبَتَتْ الأَرْض من قليلٍ أَوْ كثيرٍ العشر». ونحوه عن مجاهد وإِبراهيم النَّخَعِي، وزاد إِبراهيم: «حتى في كلِّ عشرة دَسْتَجَاتٍ (٣) دَسْتَجَةٌ».


(١) سورة البقرة، الآية: (٢٦٧).
(٢) السانية: البعير الذي يُستقى عليه من البئر. معجم لغة الفقهاء، ص: ٢٣٩.
(٣) الدَّسْتَجَة: حُزْمة ونحوها تَجمع اثني عشر فردًا من كل نوع. مُعَرَّب: دسته. المعجم الوسيط ص ٢٨٣. مادة (دستجة).

<<  <  ج: ص:  >  >>