للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ،

===

أَنْ تَفِيضَ من جَمْعٍ (١) بِلَيْلٍ فَأَذِنَ لها، قالت عائشةُ: فليتني كُنْتُ استأْذنْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودةُ، وكانَتْ عائِشةُ لا تَفِيضُ إِلاَّ مع الإِمام.

وعن ابن عباس قال: «أَنَا مِمَّنْ قدَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة مزدلفة في ضعفه أَهله مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ». ولو كان الوقوف بِمُزْدَلِفة بعد الفجر ركناً، لما جاز تَرْكُه كالوقوف بِعَرَفَة، فاندفع به قول الليث بن سعد: أَنَّ الوقوف به رُكْنٌ لقوله تعالى: {فإِذا أَفَضْتُم مِنْ عَرَفَاتٍ فاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ} (٢) ، ولأَن المأْمور به في الآية الذّكْر، وهو ليس بركن بالإِجماع، فلا شيء على مَنْ تَرَكَهُ بِعُذْرٍ لما قدّمنا.

وقال الشافعي: الوقوف بِجَمْعٍ سنَّة، وله في المَبِيت به قولان: الوجوب والسُّنِّية، وهو مذهبنا. وأَما ما ذكره العيني في «شرح تُحْفَةُ الملوك» (٣) مِنْ أَنَّ الوقوف بِمُزْدَلِفة رُكْن عند الشافعي ـ وتَبِع فيه «الهداية» ـ فغيرُ صحيح، بل وَهْمٌ صَريح.

وسُمِّي جَمْعاً لاجتماعِ آدم مع حَوَّاء فيه. وسُمّي مُزْدَلِفة لأَن آدم ازدلف فيه من حواء، أَي دنا منها بعد بُعْدِه عنها، أَوْ لاقتراب الناس إِلى مِنى، أَوْ لأَن الوَاقِفِينَ فيه يَزْدَلِفُون إِلى الله تعالى: أَي يَتَقَرَّبُونَ إِليه.

(والسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ)، وقال مالك، والشافعي: وهو ركن لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا والمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (٤) ، وما كان من الشعائر كان ركناً، ولقوله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عليكم السَّعْيَ فَاسْعَوْا»، رواه ابن أَبي شَيبةَ. وروى الدَّارَقُطْنِيّ بإِسنادٍ صحيح: «أَنَّ نِسْوَةً مِنْ بَنِي عبد الدَّار اللاتي أَدْرَكْنَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قُلْنَ: دَخَلْنَا دار أَبي حسين، فَرَأَيْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفا والمروة، والنَّاسُ بين يديه، وهو مِنْ ورائِهِم، وهو يَسْعَى حَتَّى نَرى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعي، وهو يقول: اسْعَوا فإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عليكمُ السَّعْيَ».

والجواب عن الآية بأَنَّ المُزْدَلِفَةَ مِنَ الشعائر، ولذا سُمِّي بالمَشْعَر الحرام، مع أَنَّ الوقوف بها وكذا المبيت فيها ليس بركن اتفاقاً، على أَنَّ قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عليه أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ( ٤) ينفي الركنية والوجوب جميعاً، إِلاَّ أَنَّا تركنا الظاهر في


(١) جَمْع: المُزدَلِفة. معجم لغة الفقهاء ص: ١٦٦.
(٢) سورة البقرة، الآية: (١٩٨).
(٣) في المطبوعة: التحفة، وما أثبتناه من المخطوطة.
(٤) سورة البقرة، الآية: (١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>