للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمَصْبوغِ بِطِيبٍ، إِلاَّ بَعْدَ زَوَالِهِ.

===

فإِنَّه يَلْبَسُ الخُفَّيْن بعد أَنْ يقطعهما أَسْفَلَ من الكعبين ـ أَعني المِفْصَلَيْنِ الذين في وسط القدمين عند مَعْقِدِ الشِّرَاك ـ.

(والمَصْبوغِ بِطِيبٍ) أَي (بشيءٍ) (١) له رائحة مستلذة من زَعْفَرَان (٢) ، أَوْ وَرْس (٣) ، أَوْ عُصْفُر، وهو قول الثَّوْري. وأَصل ذلك ما في الكتب الستة من حديث ابن عُمرَ: أَنَّ رَجُلاً قال: يا رسولَ الله ما تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ من الثيابِ في الإِحْرَام؟ قال: «لا تَلْبَسُوا القُمُص، ولا السراويلات، ولا العمائم ولا البرَانِس (٤) ، ولا الخِفَاف إِلاَّ أَنْ يكونَ أَحَدٌ ليس له نَعْلانِ، فَلْيَلْبَس الخُفَّيْنِ، وليَقْطَعْهُمَا أَسْفَل من الكعبين، ولا تَلْبَسُوا شيئاً مَسَّهُ زعفران ولا وَرْس».

وقال مالك والشافعي: لا بأْس بِلُبْس المُعَصْفَر، لما روى مالك في «الموطأ» عن أَسْمَاءَ بنتِ أَبي بكر أَنها كانت تَلْبَسُ المُعَصْفَرَ وهي مُحْرِمةٌ.

ولنا ما روى مالك في «الموطأ» من حديث نَافع أَنَّ عمر بن الخطاب أَنْكَرَ على طَلْحَةَ لُبْسَ المُعَصْفَر حالةَ الإِحرام. ومن المعلوم أَنَّ الرجال والنساء في اجتناب الطيبِ سواء، وإِنَّما يختلفان في لبس المَخِيط، وتغطية الرأْس، فإِنَّ المرأَة تُغَطِّيهِ دون الرجل

قال ابن الهُمَام: في «الموطأ»: «أَنَّ عمر رأَى على طَلْحَةَ بن عُبَيدِ اللَّه ثَوْباً مَصْبُوغاً، وهو مُحْرِمٌ فقال: ما هذا الثوبُ المَصْبوغُ يا طَلْحَةُ؟ فقال: يا أَميرَ المؤمنين، إِنَّما هو (مَدَرٌ) (٥) ، فقال عمرُ: أَيُّها الرَّهْطُ إِنكُم أَئمةٌ يقتدي الناسُ بِكُمْ، فلو أَنَّ رَجُلاً جاهلاً رأَى هذا الثوبَ لقال: إِنَّ طَلْحَةَ بنَ عُبيد اللَّه كان يَلْبَسُ الثيابَ المُصْبغة في الإِحْرامِ، فلا تَلْبَسُوا أَيها الرَّهْطُ شيئاً مِنْ هذه الثيابِ المُصْبَغَةِ». فإِنْ صَحَّ كَوْنُه بِمَحْضَرٍ من الصحابة أَفاد مَنْع المتنازع فيه، ثم يخرج منه الأَزرق ونحوه بالإِجماع على جوازه، ويبقى المُتَنَازَعُ فيه في مقام المنع.

(إِلاَّ بَعْدَ زَوَالِهِ) أَي زوال الطِيب بالغسْل، لأَن النهي للطِيب لا للون، بدليل أَنَّ المُحْرِم يجوز له لُبْسُ المَصْبُوغِ بمَغْرَة: وهو طين أَحْمَر، لأَنه لا رائحة له. وقيل: إِلاَّ أَنْ


(١) ما بين الحاصرتين سقط من المخطوطة.
(٢) الزَّعْفَران: نَوْعٌ صبغي طبّيٌّ مشهور. المعجم الوسيط ص: ٣٩٤، مادة (زَعْفَرَ).
(٣) الوَرْس: يُسْتَعْمل في صَبْغ الثيات. معجم لغة الفقهاء ص: ٥٠١.
(٤) البُرْنُس: هو قَلَنْسُوَةٌ طويلةٌ كان النِّساك يَلْبَسونها في صدر الإِسلام. النهاية: ١/ ١٢٢.
(٥) في المطبوعة: بدر، وما أثبتناه من المخطوطة. والمراد أي مصبوغ بالمَدَر - وهو الطين اللزج الذي لا يخالطه رَمْل -، النهاية ٤/ ٣٠٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>