للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فاطَّهَّرُوا} (١) . فما في غَسلِه حَرَجٌ كداخلِ العين: يَسْقُط، وما لا حَرَجَ فيه: يَبْقى. وداخِلُ الفمِ والأنفِ ممَّا لا حَرَج فيه. وأيضاً يُغْسَلانِ عادةً وعِبادةً: نفلاً في الوضوء، وفرْضاً من النجاسة الحقيقية، فشَمِلَهُما نَصُّ الكتاب، والله تعالى أعلم بالصواب.

وأمَّا استدلالُهما (٢) بقوله عليه الصلاة والسلام كما رواه أبو داود عن عمَّارٍ، ومُسْلِمٌ عن عائشِةَ: «عَشْرٌ من الفِطْرةِ» وعَدَّ منها المضمضةَ والاستنشاقَ: فمدفوعً بأنَّ كونَهما من الفِطرة لا يَنفِي وجوبَهما، لأنها الدِّينُ، وهو أعمُّ منه فلا يعارضه، قال الله تعالى: {فِطْرَةَ اللهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عليها} (٣) ، ووَرَدَ «كلُّ مولودٍ يُولَد علَى الفِطرة» (٤) .

وروى الدارقطني عن أبي هريرة لكن بسند ضعيف جدّاً أنه عليه الصلاة والسلام جَعَل المضمضةَ والاستشناقَ فريضةً للجنب، وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام «جَعَل المضمضةَ والاستنشاقَ للجُنُب ثلاثاً فريضةً» (٥) . وقد انعقد الإِجماعُ على إخراج اثنتين منها عن الفَرْض فيَبْقَى مرَّةٌ واحِدة.

وأمَّا ما في «الهداية» من أنه عليه الصلاة والسلام قال: «إنهما ـ يعني المضمضةَ والاستنشاقَ ـ فَرْضانِ في الجنابة، سُنَّتانِ في الوضوء»، فلا أصْلَ له. وروى أبو حنيفة عن عثمان بن راشد، عن عائشة بنتِ عَجْردَ، عن ابن عباس فيمن نَسِيَ المضمضةَ والاستنشاقَ قال: لا يُعِيدُ إلاَّ أن يكون جُنُباً. وبمثلِهِ يُترَكُ القياسُ، وإن ادَّعى الشافعيُّ أنَّ عثمان وعائشة الراويين غيرُ معروفين ببلدِهما، إذ عدَمُ معرفتِهِ بحالهما لبُعْدِ عهدهِ بينهما: لا يَنْفي معرفةَ مَنْ أَخَذَ عنهما.

وفي «الظهيرية»: من اغتَسَل وبين أسنانه طعامٌ لا بأس به، لأنَّ ما بين الأسنانِ رَطْبٌ فيَصِلُ الماءُ إلى ما تحته. وقال الأستاذ الإِمام عليٌّ البَزْدَوِي: يَجِبُ عليه غَسْلُ ذلك الموضعِ، ويَنْبغِي أن يُحمَل الأوَّلُ (٦) على حالِ تخلخله، والثاني (٧) على عَدَمِهِ.


(١) سورة المائدة، آية: (٦).
(٢) يعني الإمامين: مالكًا والشافعي.
(٣) سورة الروم، آية: (٣٠).
(٤) أخرجه البخاري (فتح الباري) ٣/ ٢٤٥ - ٢٤٦، كتاب الجنائز (٢٣)، باب ما قيل في أولاد المشركين (٩٢)، رقم (١٣٨٥).
(٥) في المخطوطة، والمطبوعة: "في الجنب". والتصويب من سنن الدارقطني ١/ ١١٥، كتاب الطهارة، باب ما روي في المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة، رقم (٣).
(٦) أي كلام "الظهيرية".
(٧) أي كلام البزدوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>