للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ، فَعَلَيْهِ دَمٌ.

===

وقال أَبو يوسف ومحمد ـ وهو قول الشافعيّ ـ: لا شيء عليه في تقديم نُسُكٍ أَوْ تأْخيره لما في «الصحيحين» من حديث ابن عباس: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِل عن الذبح، والرمي، والحلق، والتقديم والتأخير، فقال: «لا حَرَجَ».

ولأَبي حنيفة ما رَوى ابنُ أَبي شيبةَ والطحاوي من حديث ابن عباس أَنَّه قال: مَنْ قَدَّم شيئاً في حَجِّه أَوْ أَخَّرَه، فَلْيُهْرِق لذلك دَماً. وقال الطحاوي: فهذا ابن عباس أَحَدُ مَنْ رَوى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنه ما سُئِل يومئذٍ عنْ شيءٍ قُدِّم أَوْ أُخِّر مِنْ أَمْرِ الحَجِّ إِلاَّ قال: «لا حَرَج». فليس عنده مَعْنَى ذلك على الإِباحة في تَقْدِيم ما قَدَّمُوا، ولا في تَأْخِيرِ ما أَخَّرُوا مِمَّا ذَكَرْنا أَنَّ فيه الدَّمَ، ولكن معنى ذلك عنده على أَنَّ الذين فعلوه كان على الجهلِ بالحُكْم فيه كيف هو، فَعَذَرهم وأَمرهم في المُسْتَأْنَفِ أَنْ يَتَعَلَّموا مَنَاسِكَهم.

وتحقيقُ المقام ما ذكره ابن الهُمام أَنَّ لهما ما في «الصحيحين» أَنَّه صلى الله عليه وسلم وقف في حَجَّةِ الودَاع فقال رجلٌ: لَمْ أَشْعُر فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذبح، قال: «اذْبَح ولا حَرَج»، وقال آخَرُ: يا رسولَ اللهِ لم أَشْعُر فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمي. قال: «ارْمِ ولا حَرَجَ»، فما سُئِل يَوْمئذٍ عن شيءٍ قُدِّمَ أَوْ أُخِّر إِلاَّ قال: «افْعَل ولا حَرَج». والجواب أَنَّ نَفْي الحَرَج يتحقق بِنَفْي الإِثم والفساد، فَيُحْمل عليه دون نفي الجزاء. فإِنَّ في قول القائل: «لم أَشْعُر فَفَعَلْتُ» (ما) (١) يفيد أَنه ظهر له بَعْدَ فِعْله أَنَّه مَمْنوعٌ من ذلك، فلذا قَدَّم اعتذاره على سؤاله، وإِلاَّ لم يسأَل، أَوْ لم يعتذر.

ولكن قَدْ يُقَال يحتمل أَنَّ الذي ظهر له مخالفةُ تَرْتِيبه لترتيبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَظَنَّ أَنَّ ذلك الترتيب مُتعينٌ، فقدّم ذلك الاعتذار وسأَل عَمَّا يلزمه به، فَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم بالجوابِ عدمَ تَعَيُّنِهِ عليه بِنَفْي الحرج، وأَنَّ ذلك الترتيب مَسْنونٌ لا واجبٌ. والحق أَنَّه يُحْتمل أَنْ يكونَ ذلك، وأَنْ يكون الذي ظهر له كان هو الواقع إِلاَّ أَنه صلى الله عليه وسلم عذَرهم بالجهل فأَمرهم أَنْ يتعلموا مَنَاسِكَهُم. وإِنَّما عذرهم بالجهل لأَنَّ الحال كانَ إِذْ ذاك (٢) في ابتدائه. وإِذا احتمل كُلاًّ منهما، فالاحتياطُ اعتبارُ التَّعْيين، إِذِ الأَخْذُ بهِ واجبٌ في مَقَام اضْطِّرابٍ فَيَتِمُّ الوَجْهُ لأَبي حنيفةَ.

(أَوْ تَرَكَ أَقَلَّهُ) أَي أَقل طوافِ الفَرْض، بأَنْ تَرَكَ ثلاثة أَشواط، أَوْ شَوْطين أَوْ شَوْطاً، إِلاَّ أَنَّ النقصان بِتَرْكِ الأَقل نقصانٌ يسير فأَشْبه النقصان بالحدث (فَعَلَيْهِ دَمٌ)


(١) سقط من المطبوع.
(٢) في المطبوع: لأنَّه كان الحال ذاك، وما أثبتناه من المخطوط.

<<  <  ج: ص:  >  >>