النفل لغواً تحقيقاً لمعنى الحجة، فبقي مطلق النية. ويجوز أَنْ تتأَدَّى حجة الإِسلام بغير نيّة، كما في المُغْمَى عليه إِذا أَحْرَم عنه أَصْحَابُه، فبنية النفل أَوْلى. وعلى الثاني ما روى الدَّارَقُطْني عن ابن عباس: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سمِع رجُلاً يُلَبِّي عن شُبْرُمَة فقال له: «مَنْ شُبْرُمة؟ قال: أَخٌ لي، قال: هل حَجَجْتَ؟ قال: لا، قال: حُجَّ عن نَفْسِكَ، ثُم احجُج عن شُبْرُمَة».
ولنا على الأَول أَنْ وقت أَداء الفَرْض في الحجِّ يسع أَداء النفل فلا يتأَدى الفرض فيه بنية النفل، كالصلاة، بخلاف الصوم عندنا فإِنَّ وقت أَدائه لا يسع أَداء النفل. وعلى الثاني ما روينا من حديث الخَثْعَمِيَّة وغيرها أَنْ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها:«حجي عنه». وقال لأَبي رَزِين العُقَيلي:«احجُج عن أَبيك واعتمر»، ولم يستفسرهما أَنهما حجّا عن أَنفسهما أَوْ لا. وحديث الدَّارَقُطني معارَض بما رواه هو أَيضاً عن الحسن بن عُمَارة عن ابن عباس قال: سمِع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يُلَبِّي عن نُبَيْشَة فقال: «أَيُّها المُلَبّي عن نُبَيْشَة، هل حججت؟ قال: لا، قال: فهذه عن نُبَيْشَة، واحجُج عن نَفْسِك». إِلاَّ أَنَّه قال: هذا وَهْم من الحسن عن ابن عباس، ثُم قال: وقد رجع الحسن بن عُمَارة عن ذلك، وحدَّث به على الصواب موافقاً لرواية غيره، ثُم قال: وعلى كل حال فالحسن بن عُمَارة متروك. وقوله صلى الله عليه وسلم «حُجّ عنْ نَفْسِك ثُم عن شُبْرُمَة» أَمْرٌ باستئناف حجَ آخَر لنفسِه نظراً له، وقد كان قَبْل نَسْخ جواز فَسْخ الإِحرام، لا دالٌّ على وقوع الحج عن نفسه كما هو مذهبهما.
ومن الفروع: لو أَوْصَى أَنْ يَحُج عنه فلانٌ، فعند محمد يحُج عنه غيرُه إِلاَّ أَنْ يكونَ قد صرَّح بأَن لا يحُج غيره. ولو أَوْصَى بأَنْ يُحَجَّ عنه بثُلُثِ مالِهِ، وثُلُثُ المال يبلغ حِجَجَاً كثيرة، فالوصي بالخِيار إِنْ شاء أَحجَّ عنه في كل سنةٍ حجَّةً واحدةً، وإِنْ شاءَ أَحجَّ عنه مقدارَ ما يبلغ في سنةٍ واحدة، والتعجيل أَفضل. وإِن اجتمع الورثة على أَنْ يحُج واحدٌ منهم عنه جاز.
(ولا يَجُوزُ للهَدْي) وهو ما ينقل للذبح مِنْ الحِلِّ إِلى الحرم (إِلاَّ جَائِزُ التَّضْحِيَةِ) وهو الثَّنِي فصاعداً من الغنم والبقر والإِبل. والجَذَع من الضأْن فقط، لأَن الجَذَع من الإِبل: وهو ابن أَربع سنين، ومن البقر: ابن سَنة غير جائز، لقوله صلى الله عليه وسلم «ضَحُّوا بالثَّنَايا إِلاَّ أَنْ يَعْسُرَ عليكم، فاذبحوا الجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ»(١) . والهدايا كالضحايا، لأَن كلاً منهما قربة متعلقة بالإِراقة، فيكون في الجواز كذلك، فلا بد من السلامة من العيوب