للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ولذلك نهاهم عنها غيرَ مرة، وأباحها لهم في أوقات مختلفة بحسب الضرورات، حتى حَرَّمها عليهم في آخر سِنِيِّهِ، وذلك في حَجَّة الوداع، فكان تحريمَ تأبيدٍ لا خلاف فيه بين الأئمة وفقهاء الأمصار، إلا طائفة من الشيعة، ويُحكى عن ابن جُرَيج.

وأما ما يُحكى عن ابن عباس فيها، فإنه كان يَتَأَوَّلُ إباحتَها للمُضطَرِّ إليها لِطُول الغُربة وقِلَّة اليَسَار والجِدَّة (١) ، ثم توقف وأمسك عن الفتوى بها، ثم أسند الحازمي من طريق الخَطَّابِي إلى سعيد بن جُبَير قال: قلت لابن عباس: لقد سارت بِفُتْيَاك الرُّكْبَان وقالت فيها شِعراً قال: وما قالوا؟ قلت: قالوا:

*قَدْ قُلْتُ للشيخ لَمّا طَالَ مجلسُه ** يا صَاحِ هل لك في فُتْيَا ابن عَبَّاسِ

*هل لكَ في رَخْصةِ الأطراف آنِسَة (٢) ** تكون مثواكَ حين مَصْدَر الناس

المصدَر بفتح الدال، أي: مرجعهم، والرَّخْصَة بالفتح: الناعمة، وصَاحِ: مُرَخَّمُ صَاحِب. فقال: سبحان الله والله ما بهذا أَفتيتُ، وإنما هي كالمَيْتَةِ والدمِ ولحمِ الخنزير، إلا للمُضطر. قال الخَطَّابِي: فهذا يُبَيِّنْ لك أنه سلك فيه مذهبَ القياس، وشَبَّهَهُ بالمضطر إلى الطعام الذي به قِوَام النفس، وبعدمه يكون التَّلَفُ، وإنما هذا من باب غَلَبَةِ الشهوة، وقد تُحْسَم مادتها (٣) بالصوم والعلاج، فليس أحدهما في حكم الضرورة كالآخر، وهو قياس مع الفارق، فَتَدَبَّر.

أقول: وهذا كله ليس فيه صريح الرجوع لابن عباس عن قوله، ومما يَدُلُّ على بطلان المُتْعَةِ مطلقاً ما في «صحيح مسلم»: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّمها يوم الفتح، وفيه وفي البخاري: أنه صلى الله عليه وسلم حرَّمها يوم خَيْبَر، والتَّوْفِيقُ أنها نُسِخَتْ مرتين.

قيل: ثلاثةُ أشياءٍ نُسِخَتْ مرتين: المْتْعَةُ، ولُحُوم الحُمُرِ الأهْلِيَّة، والتَّوَجُّه إلى بيت المقدس في الصلاة.

وفي «صحيح مسلم»: «يا أيها الناس إني كنتُ أَذِنْتُ لكم في الاستمتاعِ من النساء، وقد حَرَّمَ الله ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنَّ شيءٌ فَلْيُخَلِّ سبيله، ولا تأخذوا مما آتَيْتُمُوهُنَّ شيئاً.» وفيه أيضاً: أنّ علياً سمع ابن عباس يُلَيِّنُ في المُتْعَةِ،


(١) الجدَّة: الحظُّ والحُظْوة والرِّزق. القاموس المحيط ص ٣٤٦، مادة (جد).
(٢) رَخصَة الأطراف: أي ناعمة الأطراف. والمعنى: هل لك في امرأةٍ ناعمة الأطراف تؤنسك.
(٣) عبارة المطبوع: وقد تحسم بما يعدمها بالصوم. وما أثبتناه من المخطوط، وهو الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>