(وخُيِّرَتْ أمَةٌ) سواء كانت مُدَبَّرَةً أو أمَّ وَلَددٍ زوَّجها الموْلى برضاها أو بدونه. (ومُكَاتَبَةٌ عُتِقَتْ) واحدة منهما سواء كانت تحت حر أو عبد. وقال الشافعيّ: لا خيار للأمة إذا عُتِقَتْ وزوجها حر، وبه قال مالك وأحمد.
ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات في حرية زوج بَرِيرَة وعدمها، فما يدل على أنه حرٌ: ما روى الجماعة إلاّ مسلماً من حديث إبراهيم، عن الأسْوَدِ، عن عائشة ـ واللفظ للبُخَاريّ ـ أنها قالت: يا رسول الله إني اشتريت بَرِيرَة لأعتقها ـ أي قصدت شراءها لذلك ـ وإنَّ أهلها يشترطون ولاءها ـ أي لهم ـ فقال: «أعتِقيها، فإنَّما الولاء لمن أعتق». قال: فاشترتها، فأعتقتها. قال: وخُيِّرَت، فاختارت نفسها، وقالت: لو أُعْطِيتُ كذا وكذا ما كنت معه، أي مع زوجها. قال الأسود: وكان زوجها حراً (ورواه البخاري أيضاً من حديث الحَكَم، عن إبراهيم. وفي آخره قال الحَكَم: وكان زوجها حراً)(١) . وأخرج النَّسائيّ عن علقمة، والأَسود أنهما سألا عائشة عن زوج بَرِيرَة، فقالت: كان حراً يوم أُعْتِقَتْ.
وممَّا يدلّ على أنه كان عبداً: ما روى الجماعة إلاَّ مسلماً عن عِكْرَمَة، عن ابن عباس: أن زوج بَرِيرَة كان عبداً أسود يُقَال له مُغِيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم للعباس:«ألا تعجب من شدَّة حبّ مُغِيث بَرِيرَة، ومن شدَّة بغض بَرِيرَة مُغِثياً»، فقال لها عليه الصلاة السلام:«لو راجعتيه». قالت: يا رسول الله أتأمرني به؟ فقال عليه الصلاة السلام:«إنما أنا شافع». قالت: لا حاجة لي فيه. وأمَّا ما رواه مسلم وأبو داود والنَّسائيّ عن عائشة أن بَرِيرَة خيَّرها النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان زوجها عبداً. فليس فيه سوى أنه كان عبداً ـ وهو محتمل ـ لأنه كان عبداً قبل العتق فلا يُعَارِض صريح قولها: كان حراً يوم أعتقت. ورواية أبي داود: حين أُعْتِقَتْ.
قال الطَّحَاوي: وإذا اختلفت الآثار وجب التوفيق، فنقول: إنا وجدنا الحرِّية تعقب الرِّق، ولا ينعكس، فيُحْمَلُ على أنه كان حراً عندما خُيِّرَت، عبداً قبله. ولو ثبت أنه عبد، لا ينفي الخيار لها تحت الحرّ، إذ لم يجيء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه إنما خيَّرها لكونه عبداً ـ أي بل إنما خيَّرها لصيرورتها معتوقة ـ لقوله عليه الصلاة السلام لبريرة:«اذهبي فقد عُتِقَ معك بُضْعُكِ» رواه الدَّارَقُطْنيّ.