للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وعند محمد التقرُّبُ (١) كان معه رَفْعٌ أوْ لا، وعند زُفَر الرَّفْعُ (٢) كان معه تقرُّبٌ أوْ لا. وإنما حصَرَ محمدٌ الاستعمالَ بالقُربة لأنه إنما هو بانتقالِ نجاسة الذُّنُوب إليه، كما ورد في الحديثِ الدالِّ عليه (٣) ، وذا لا يكون إلا بِنيَّةِ القُربة لديه.

ووافَقَنا الشافعيُّ في الجديد خلافاً لمالك، لأنه ماءٌ طاهر لاقَى محلاً طاهراً فيَبقَى على حاله، كما لو غَسَل به ثوباً طاهراً، ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الماءُ طاهرٌ إلا أن يتغيَّرَ ريحُه أو لونُه أو طعمُه بنجاسةٍ تَحدُثُ فيه». لكنَّ الحديثَ غيرُ قوي، كما تقدَّم عن البيهقي (٤) .

واعلم أنَّ كلامَ المصنِّف دالٌّ على حُكم الماءِ المستعمَل بعدم التوضّوء به، وليس بدالَ على حُكمِه بالطهارةِ أو عَدَمِها، فنقول: لم يُثبِتْ مشايخُ العراقِ خلافاً بين الأئمةِ الثلاثةِ (٥) في أنَّ الماءَ المستعمَل طاهرٌ غير طَهُور، وأثبَتَهُ مشايخُ ما وراءَ النهر، واختلافَ الرواية (٦) : فعن أبي حنيفة في رواية الحَسَن عنه ـ وهو قولُه ـ: أنه نَجِسٌ نجاسةً مغلَّظة، وعن أبي يوسف وهو روايةٌ عن أبي حنيفة: أنه نَجِسٌ نجاسةً مخفَّفة، وعن محمد وهو روايةٌ عن أبي حنيفة وهو الأقَيسُ: أنه طاهرٌ غيرُ طَهُور، واختار هذه الروايةَ المحقِّقون من مشايخِ ما وراءَ النهرِ وغيرِهم، وهو ظاهِرُ الرواية، وعليها الفتوى.

أمَّا دليلُ النجاسة فما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يَعْتَسِلَنَّ أحدُكم في الماءِ الدائم وهو جُنُب»، مع ما رواه أيضًا عن جابر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماءِ الراكدِ»، وفي «سنن أبي داود»: أنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَبُولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدائم ولا يَغْتَسِلَنَّ فيه مِنْ الجنابةِ». ووَجْهُ الدلالةِ أنه صلى الله عليه وسلم


(١) هكذا جاء في غير كتاب، ولكن قال الإمام شمس الأئمة السَّرَخْسِي في "المبسوط" ١/ ٥٣: "هذا المذهب غير محفوظ عن محمد نصًّا، ولكن الصحيح - أي عند محمد - أن إزالة الحدث بالماء مفسد للماء - أي يجعله مستَعْمَلًا ولو من غير قصد القُربة - إلا عند الضرورة كما ذكروه في الجُنب يُدخل يده في الإناء وفي البئر لطلب الدلو"، أفاده الشيخ عبد الفتاح أبو غُدة رحمه الله تعالى.
(٢) أي حصول رفع الحدث، سواء كان بنية من المتوضئ أم بغير نية.
(٣) وهو: "إذا توضأ العبد المسلم - أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل رجليه خرج كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء. حتى يخرج نقيًا من الذنوب". أخرجه مسلم ١/ ٢١٥ كتاب الطهارة (٢)، باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء (١١)، رقم (٣٢ - ٢٤٤).
(٤) ص ١٤٤.
(٥) أي أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد.
(٦) أي وأثبتوا اختلاف الرواية.

<<  <  ج: ص:  >  >>