للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشُرِطَ ذِكْرُ النَّفْسِ مِنْ أَحَدِهِمَا أوْ قَوْلُهُ: اخْتَارِي اخْتِيَارَةً، فَتَقولُ: اخْتَرْتُ،

===

وقوع الطّلاق وإن اختلفوا في صفته.

وقال الشافعيّ: يقع رجعيٌّ، وهو قول أحمد، لأنه أدنى ما يكون من الاختيار. وقال مالك: يقع ثلاثاً، لأن الثلاث أتمّ ما يكون من الاختيار.

ولنا: أَنّ اختيارها لنفسها إنّما يتحقق بزوال ملك الزَّوج عنها، وزواله إنّما هو بالبينونة، وهي لا تستلزم الثلاث، وليس في اللفظ ما يدلّ عليها، فلا تقع وإن نواها، لأنّ الاختيار لا يتنوع، فَبَقِي مجرد نيّة العدد وهي لا تصح، بخلاف أنتِ بائنٌ، لأنّ البينونة تتنوع.

وفي «جامع الترمذي»: اختلف أهل العلم في الخِيار: فَرُوِيَ عن عمر وعبد الله بن مسعود أنَّهما قالا: إن اختارت نفسها فواحدةٌ بائنةٌ. ورُوِيَ عنهما أيضاً أنّهما قالا: واحدةٌ يملك الرّجعة، وإنْ اختارت زوجها فلا شيء.

ورُوِيَ عن عليّ أنّه قال: إن اختارت نفسها فواحدةٌ بائنةٌ، وإن اختارت زوجها فواحدةٌ يملِكُ الرجعة. وقال زيد بن ثابت: إن اختارت زوجها فواحدة، وإن اختارت نفسها فثلاثٌ. انتهى.

ولنا على أنها إن اختارت زوجها لم يقع شيءٌ ـ وهو قول أكثر أهل العلم ـ ما روى البُخَارِي ومسلم من حديث عائشة قالت: خيّرنا النبيّ صلى الله عليه وسلم فاخترنا الله ورسوله، فلم يعدَّ ذلك شيئاً. كذا ذكروه وفيه: أنْ ذلك كان تخييراً لا تفويضاً كما تقدّم، والله تعالى أعلم.

(وشُرِطَ ذِكْرُ النَّفْسِ مِنْ أَحَدِهِمَا) متّصلاً أو منفصلاً في المجلس. وقال مالك والشافعيّ وأحمد: لا يُشْتَرَطُ (أوْ قَوْلُهُ: اخْتَارِي اخْتِيَارَةً) أو تطليقة، أو ما يكون كناية عن ذلك في أحد كلامهما (فَتَقُولُ: اخْتَرْتُ) أو: أختار نفسي. والقياس في قولها: أنا أختار نفسي عدم الوقوع كما قال الشافعيّ، لأنه وَعْدٌ، كما لو قال: طلّقي نفسك، فقالت: أنا أطلِّق نفسي، حيث لا تَطْلُقُ.

ووجه الاستحسان أنّ الكلام جُعِلَ جواباً بالسُّنَّة، وهي ما في الصحيحين عن عائشة أنها قالت: لَمّا أُمِر رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تخيير أزواجه بدأ بي فقال: «إنّي ذاكرٌ لكِ أمراً إلى أن قالت: فقلت: ففي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد اللَّهَ ورسولَه والدّارَ الآخرة». ثم فعل أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ الذي فعلت. وفي لفظ لمسلم: كلا، بل أختار الله ورسوله، واعتبره رسول الله صلى الله عليه وسلم جواباً.

وفي المعقول فإنّ المضارع قد يُراد به الحال كما في قول الشاهد: أشهد، وقول الكافر: أشهد أن لا إله إلاّ الله، فإنّه يُرَاد به التحقيق حتى صار به مسلماً، لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>