للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ أبَى عَنِ اللّعَانِ حُبِسَ حتّى يُلاعِنَ أوْ يُكَذِّب نَفْسَةُ. وَإنْ أَبَتْ حُبِسَتْ حَتَّى تُلاعِنَ أوْ تُصَدِّقهُ.

===

وقال الشّافعيّ: تقع الفُرْقة بلعانه، لأنه لما شهد عليها بالزِّنا أربع مرّات وأكّده باللّعن، فالظاهر أنهما لا يأتلفان، فلم يكن في إبقاء النِّكاح فائدةٌ، كما إذا ارتدّ أحد الزّوجين. وهو يخالف ظاهر الحديث: «المتلاعنان لا يجتمعان» (١) ، فإنَّ قَبْل لعانها لا يصدق عليهما المتلاعنان. على أنّه يحتمل أنْ لا تلاعن هي فترجم عنده، فلا تفريق ولا اجتماع. وأيضاً في رواية: «المتلاعنان إذا تفرّقا لا يجتمعان».

ولنا حديث سَهْل بن سَعْدِ السَّاعِدِيّ المتقدّم، وقد رواه أبو داود وقال: فطلّقها ثلاث تطليقاتٍ، فأَنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ما صنع عند رسول الله سُنَّة. قال سهل: حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمضت السُّنّة بعد في المتلاعنين أنْ يفرَّق بينهما ثم لايجتمعان أبداً. ففي هذه الألفاظ كلها دليلٌ على أنّ الفُرْقة لم تقع باللّعان، والله المستعان. وكذا ما في الصحيحين من حديث ابن عمر أنّ رجلاً لاعن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرّق عليه الصلاة والسّلام بينهما وألحق الولد بأمّه. وفي رواية: بالمرأة.

(ولم يُرْوَ أنّه عليه الصلاة السّلام فرّق بينهما بعد لعان الرّجل قبل لعان المرأة.) (٢) وأمّا قول البَيْهَقِيّ في «المعرفة»: أن عُوَيْمِر حين طلّقها ثلاثاً كان جاهلاً بأنّ اللّعان فُرْقَة، فصار كمن شَرَطَ الضَّمان في السّلف، وهو يلزمه شرط أو لم يشرط. فجوابه: أنّ هذا خلاف الظّاهر، والله أعلم بالسّرائر.

(وإنْ أبَى) الزّوج (عَنِ اللّعَانِ حُبِسَ) لامتناعه عن حقَ وجب عليه وهو قادرٌ على أدائه، فيُحْبَس لإيفائه (حتّى يُلَاعِنَ) فَيُوَفِّي ما عليه (أوْ يُكَذِّب نَفْسَهُ) فيحدّ لإقراره على نفسه بالتزام الحدّ. وقال مالك والشّافعيّ وأحمد: إن أبىَ الزّوج عن اللّعان يُحدّ بناءً على أنّ موجَب القذف منه عندهم الحدّ، وعندنا اللّعان، وإذا لاعن الزّوج وجب على المرأة أنْ تلاعن بالنَّص (وَإنْ أَبَتْ حُبِسَتْ) لأنّها امتنعت عن إيفاء حقَ هي قادرةٌ عليها، فتحبس لإيفائها كسائر الحقوق (حَتَّى تُلَاعِنَ) فتُوَفِّي ما عليها (أوْ تُصَدِّقهُ) فيرتفع سبب اللّعان، وإذا صَدّقته نفى القاضي نَسَب ولدها، ولم يحدّها


(١) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ٧/ ٤١٠، كتاب اللعان، باب ما يكون بعد التلاعن ....
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>