للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمن لَمْ تَحِضْ، أو مات عنها زوجها، نِصفُ ما للحُرَّةِ. ولِلْحَامِلِ الحُرَّةِ والأَمَة، وإن مات عنها زوجُها وَضْعُ حَمْلِها

===

قلت: وهذا من كمال حِلْمه مع جمال علمه.

(ولمن) أي ولأمة (لم تحِض، أو مات عنها زوجها نِصفُ ما للحرة) فالتي لم تحض لصغر أو كبر أو بلوغ بالسن شهر ونصف، وللتي مات عنها زوجها شهرانِ وخمسة أيام، لأن كلاً من الثلاثة الأشهر والأربعة الأَشهر وعشرة أيام قابل للتنصيف.

(و) العدة (للحاملِ الحرةِ والأمة وإن مات عنها زوجها) وفي بعض النسخ: وإن مات عنها صبي، يعني بأن ولدت بعد موته لأقل من ستة أشهر (وَضْعُ حَمْلِها) وإن لم يلحق به لعدم مائه، لأن قوله تعالى: {وأُولاتُ الأحْمَالِ أجلُهُنَّ أنْ يَضعْنَ حَمْلَهنَّ} (١) . لا فصل فيه بين الحرة والأمة، ولا بين المطلقة والمفسوخة، والمتوفى عنها زوجها والموطوءة بشُبهة، ولا بين الحمل الثابت النَّسَب وغيره. وقال أبو يوسف وزفر: الحامل التي مات عنها الصبي المذكور أربعة أشهر وعشر. وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو قول مالك والشافعي وأحمد، لأنه ليس بثابت النَّسَب منه، لكونه صبياً لم يوجد منه المني، الحال أنها ولدت لأقل من ستة أشهر.

وعن علي وابن عباس: تعتد المتوفَّى عنها بأبعد الأَجَلين، فتعتد بأَربعة أشهر وعشر، فيها ثلاث حِيض، لأن قوله تعالى: {وأُولاتُ الأحمَالِ أجلُهنَّ أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهنَّ} يوجب العدة بوَضْع الحمل، وقوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّونَ منكم ويَذَرُونَ أزواجاً يَتَرَبَّصْنَ بأنْفُسِهِنَّ أربعةَ أشهرٍ وعَشْراً} (٢) يوجب الأشهرَ فيجمعُ بينهما احتياطاً.

ودليل عامة العلماء ما روى مالك في «الموطأ»: أن عبد الله بن عباس وأبا سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف اختلفا في المرأة تُنْفَسُ بعد وفاة زوجها بليال، فقال أبو سَلَمة: إذا وضعت ما في بطنها فقد حَلَّت. وقال ابن عباس: آخِر الأَجَلين. فقال أبو هريرة: أَنا مع ابن أخي ـ يعني أبا سلمة ـ فأرسلوا كُرَيْباً مولى ابن عباس إلى أُم سَلَمة زَوْج النبيَّ صلى الله عليه وسلم يسألها عن ذلك، فجاءهم فأخبرهم أنها قالت: ولدت سُبَيْعة الأسْلميَّة بعد وفاة زوجها بليالٍ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قد حَلَلْتِ فانكِحِي مَنْ شئت». وفي رواية للبخاري: فمَكُثَت قريباً من عشر لياللٍ

وروى الشيخان: أن عمر بن عبد الله بن أرقم دخل على سُبَيْعة بنت الحارث


(١) سورة الطلاق، آية: (٤).
(٢) سورة البقرة، الآية: (٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>