للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوطءُ والموتُ بيانٌ في طلاقٍ مُبهَمٍ، كبيعٍ وموتٍ، وتَدْبيرٍ، واستِيلادٍ وهِبَةٍ، وصدقةٍ مُسَلَّمَتَين في عتقٍ مُبهمٍ

===

قالوا: فهذا الحديث يخالف نص القرآن بتحريم الميسر، فإنه من جنسه، لأن حاصله تعليق المِلك أو الاستحقاق بالحظر، والقُرْعة من هذا القبيل، لأنها توجب استحقاق العِتق إن ظهر كذا، وعدمه إن ظهر كذا. وأما قضاء العادة بخلافه، فإنها قاضية بنفي أن واحداً يملِكُ ستة أعبدٍ ولا يملك غيرهم من درهم، ولا ثوب، ولا فَلْس، ولا دابة، ولا دار يسكنها، ولا شيء قليل ولا كثير.

فوجب رَدُّ هذه الرواية لهذه العلة الباطنة، ولذا أجمع على عدم الإقراع عند تعارض البينتين ليعمل بأحدهما، وعلى عدمِهِ أيضاً عند الخبرين. ونحن لا ننفي شرعية القُرعة في الجملة، بل نثبتها شرعاً لتطييب الفؤاد، ودفع الضغائن والأحقاد، ودفع التنازع المنجر إلى الفساد فيما بين العباد.

كما أقرع صلى الله عليه وسلم بين نسائه ليسافر بمن خرجت قُرعتها نفياً لاتهام تخصيص (١) بَعْضِهنَّ على بعض.

والحاصل: أنها إنما تستعمل في المواضع التي يجوز تركها فيها، فإما أن يتعرف بها الاستحقاق بعد اشتراكهم في سببه (فأولى منه ظاهر التوزيع، لأن القرعة قد تؤدي إلى حِرْمان المستَحِقّ بالكلية) (٢) فإن العتق إذا كان شائعاً فيهم، يقع في كل منهم منه شيء، فإذا جمع الكل في واحد فقد حُرِم الآخر بَعْضَ حقّه. هذا زبدة كلام بعض المحققين، والله تعالى أعلم بحقائق اليقين.

(والوطءُ والموتُ بيانٌ في طلاقٍ مُبهَمٍ) كما إذا قال الرجل لامرأتيه: إذا جاء غد فإحداكما طالق، فوطء إحداهما أو ماتت، ثم جاء الغد، فإن غير الموطؤة وغير الميتة تتعين للطلاق. أما كون الوطء بياناً في الطلاق المبهم، فلما سيأتي. وأما كون الموت بياناً فيه، فلأن الميتة لم تبق بالموت محلاً للطلاق، فتتعين الأخرى له.

(كبيع) أي كما يكون البيان ببيع صحيح، أو فاسد مع القبض، أو بشرط الخيار (وموت، وتدبير، واستيلاد، وهِبَة، وصدقة مُسَلَّمَتَين) أي مقبوضتين (في عتقٍ مُبهمٍ) حتى لو قال لأَمتيه: إِحداكما حرة، أو قال: إذا جاء غد فإحداكما حرة، ثم حَصَلَ في إحداهما واحد من هذه الأشياء، فإن التي لم يحصل فيها ذلك تتعين للعتق. أما الموت فلأنه أخرج محله عن أن يكون محلاً للعِتق، فتتَعين الأخرى له. وأما البيع


(١) عبارة المطبوع: "قرعتها لأنها تخصص … ". والمثبت من المخطوط.
(٢) ما بين الحاصرتين ساقط من المطبوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>