للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قال مالك.

وقال الشافعي وأحمد وداود: يُباع عند الحاجة، وكذا يُوهب ويُتَصدَّق به. لما رواه الشيخان من حديث عمرو بن دينار عن جابر: أن رجلاً من الأنصار أعتق غلاماً له عن دُبُر ـ لم يكن له مالٌ غيره ـ فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ يشتريه مني؟»، فاشتراه نُعيم بن عبد الله بِثَمان مِئة درهم، فدفعها إليه. وأخرجه النسائي وقال فيه: وكان محتاجاً، كان عليه دين، فباعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «اقض بها ديْنَك». ولحديث جابر هذا ألفاظٌ كثيرةٌ. وروى أبو حنيفة بسنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم باع المُدبَّر.

ولنا أن قوله تعالى: {أوْفُوا بالعُقُودِ} (١) ، وما روى الدارقطني من حديث عَبيدة ابن حسان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المدبَّر لا يُباع ولا يُوهب، وهو حر من ثُلُثِ المال». وقد رواه حمَّاد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر من قوله، وهو الصحيح لثقة حمَّاد وضَعْفِ عَبيدة.

والحاصل: أنه ضُعِّف رَفْعُه وصُحِّح وقفه، فعلى تقدير الرفع لا إشكال، وعلى تقدير الوقف فقول الصحابي حينئذٍ لا يعارضه النص البتة (٢) ، لأنه واقعةُ حالٍ لا عموم لها، وإنما يعارضه أن لو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يباع المدبَّر. فإن قلنا بوجوبِ تقليدِهِ فظاهرٌ، وأما عند عدم تقليده يجب أن يحمل على السماع، لأن منْعَ بيعه مع بقاء الرِّق على خلاف القياس، فيحمل على السماع، فبطل ما قيل: حديث ابن عمر لا يصلح لمعارضة حديث جابر. وأما قول صاحب «الهداية» أن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «المدبَّر: لا يُباع، ولا يُوهب، ولا يُورث وهو حر من الثُلُثِ»، فقوله: «ولا يورث» غير معروف.

وأجيْبَ عن حديث جابر بجوابين:

أحدهما: أنه حكايةُ فِعْلٍ، فلا عموم له، فيكون مَحْمولاً على المُدبَّر المقيد، وهو يجوز بيعُه عندنا، إلا إنْ بيَّنُوا أنه كان مدبراً مطلقاً، وهم لا يقدرون على ذلك. وكونُه لم يكن له مال غيره ليس بعلة لجواز بيعه، لأن المذهب عندنا: أنه يسعى في قيمته، لما روى عبد الرزاق في «مصنفه» عن زياد الأعرج عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل أعتق عبده عند الموتِ وترك ديناً، وليس له مالٌ قال: «يُسْتَسْعى في قيمته». ثم روى


(١) سورة المائدة، الآية: (١).
(٢) حرفت في المطبوع إلى: "السنة".

<<  <  ج: ص:  >  >>