للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلِّ مأكولٍ: طاهِرٌ. وسِبَاعِ البهائم: نَجِسٌ

===

لَحْم الفَرَس لكونه آلةَ الجهاد لا لنجاستِهِ، ألا يُرَى أنَّ لبنَهُ حلالٌ بالإِجماع، ذكَرَه العَيْنيُّ في «شرح تُحفة الملوك».

(وكلِّ مأكولٍ) أي لحمُهُ، وفي نسخة: وكلِّ مأكولِ اللحم أيْ مِنْ الطيُّور، والدَّوابِّ، إلا الدجاجةَ المُخلاَّةَ، والإِبِلَ، والبقَرَ، والغنَمَ الجلاَّلةَ.

(طاهِرٌ) من غير كراهة. وإنما قلنا: إنَّ سُؤْرَ هذه الأشياء طاهرٌ من غير كراهة، لأنَّ اللّعابَ يَترشَّحُ من اللَّحْم، ولَحْمُ هذه الأشياءِ طاهر. وحُرمةُ أكلِ الآدَمِيِّ لاحترامِهِ لا لنجاسته، وكذلك حُرمةُ الفَرَسِ عند أبي حنيفة ـ في إحدى الروايتين عنه ـ ليسَتْ لنجاسته بل لأنه آلةُ الجهاد. ورَوى مسلم: عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: كنتُ أشرَبُ وأنا حائضٌ، وأُناوِلُهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيضَعُ فاهُ على مَوْضِعِ فيَّ فيَشرب. وقد ورد: «إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ» رواه أصحاب «السُّنَن» عن أبي هريرة. ونجاسَةُ الكافِرِ في قوله تعالى: {إنَّما المشركون نَجَسٌ} (١) لخُبْثِ باطنِهِ في اعتقادهِ فلا يُؤثِّرُ في نجاسة أعضائه، ولأنه صلى الله عليه وسلم أَنزَل وَفْدَ ثَقِيفٍ في المسجد، فلو كان النَّصُّ على ظاهره لَمَا أَنزلَهُم فيه.

(وسِبَاعِ البهائم) سُؤرُها ـ وهي: الأَسَدُ، والنَّمِرُ، والفَهْدُ، والذئبُ، والضَّبُعُ، والكلبُ، والخِنزيرُ، والفِيلُ ونحوُها ـ (نَجِسٌ). أمَّا الكلبُ والخِنزيرُ فيوافِقُنا فيهما الشافعيُّ.

وأمَّا مالكٌ فيقولُ بطهارةِ سُؤْرِهما، لأنه يَرى طهارةَ كُلِّ حيّ.

قلنا: ثَبتَتْ نجاسَةُ الخِنزير بالنَّصِّ، والكلبِ بدلالةِ قولِهِ صلى الله عليه وسلم «طَهُورُ إِناءِ أَحَدِكم إذا وَلَغَ فيه كلبٌ أن يَغْسِلَه سَبْعَ مَرَّات». رواه مسلم وأبو داود.

وأمَّا سائِرُ أسْآرِ سِباعِ البهائم، فيُخالِفُنَا الشافعيُّ رحمه الله فيها تَبَعاً لمالك، لِمَا روى ابنُ ماجه مِنْ حديثِ عبد الرحمن بن زيد بن أسْلَمَ، عن أبيه، عن عطاءٍ عن أبي هريرة قال: سُئِلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الحِياضِ التي بين مكة والمدينة، فقيل له: إنَّ الكلابَ والسباعَ تَرِدُ عليها؟ فقال: «لها ما أَخذَتْ في بُطُونِها، ولنا ما بَقِيَ شرابٌ وَطَهُورٌ»، وما رُوِي: أنتوضَّأُ بِمَا أَفضَلَت الحُمُر؟ فقال: «نعم: وَبِما أَفضَلَت السِّباعُ كُلُّها» (٢) .


(١) سورة التوبة، آية: (٢٨).
(٢) أخرجه الدارقطنى في سننه ١/ ٦٢، كتاب الطهارة، باب الأسآر رقم (٢) وعقَّبَه الدارقطنى بقوله: ابن أبي حبيبة ضعيف أيضًا، وهو إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>