ولا تنفَسِخُ بموت السَّيِّدِ وأدَّى البدلَ إلى ورَثته على نُجومِهِ، وإن أعتَقَه بعضُهم لا يصح، وإن أعتقوه عَتَقَ مجّانًا.
===
منْ صَدَقةٍ) تصدَّق بها عليه (فعَجَزَ) لأن المِلْك قد تبدُّل، وتَبَدُّلُ الملكِ كتبدلِ العين. أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بَرِيْرَة حيث قال في اللحم الذي تُصدِّق به عليها:«هو لها صَدَقَةٌ ولنا هدية»(١) ، وصار كالفقير يموت عن صدقة أخذها، حيث تطيب لوارثه الغني، وكالفقير إذا استغنى حيث يَطيْبُ له ما أَخذه من الزكاة حالة الفقر، وكابن السبيل إذا أخذ الصدقَةَ ثم وصل إلى ماله ومعه شيء منها، حيث يَطيبُ له، لأن المُحَرَّمَ على الغني هو الأخذ، وهو ليس بموجود ممن أخذ حالة الحاجة ثم استغنى. ولو أباح الفقير للغني أو الهاشمي عينَ ما أخذه من الزكاة لا يَطيبُ له، لأن المِلْك لم يتبدَّل.
(ولا تنفَسِخُ) الكتابة (بموت السيد) لأنها حقُ العبد، فلا تبطلُ بموت سيده كالتدبير، وأُمُوميَّة الولد، وأجل الدَّين إذا مات الطالب (وأدى) المكاتب (البدل إلى ورثته على نجومه) لأن النجوم أجل الكتابة، وهو حق المطلوب، فلا يبطل بموت الطالب، كأجل الدَّين بخلاف موت المطلوب، لأن ذمته خَرِبت وانتقل الدين إلى تركته وهو عين. وهذا إذا كاتبه وهو صحيح، وأما إذا كاتبه وهو مريض فلا يَصِحُ تأجيله إلا من الثلث.
(وإن أعتَقَه) أي المكاتب (بعضُهم) أي بعض الورثة (لا يصح) لأنه لم يَملِكْه، إذ لم يقبل النقلَ من مِلك إلى ملك، ولا عِتقَ بدون المِلْك (وإن أعتقوه عَتَقَ مجّاناً) والقياس: أن لا يعتِق، لأنهم لم يملكوه، ولهذا لا يكون للإناث منهم الولاء فيه، ولو ملكوه لكان الولاء لهنَّ. ووجه الاستحسان: أنّ هذا إبراءٌ عن بدل الكِتَابة، لأنه حقُهم، وقد جرى فيه الإِرث، أو إقرار بالاستيفاء منه، فتبرأ ذمته فيعتق، كما لو أبرأه المولى عن بدل الكِتَابة كله. ويشترط أن يُعتِقُوه في مجلسٍ واحدٍ، حتى لو أعتَقَه بعضهم في مجلس وبعضهم في مجلسٍ آخر لم يَعتِقْ على الصحيح.
(١) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ٢/ ١١٤٤ - ١١٤٥، كتاب العتق (٢٠)، باب إنما الولاء لمن أعتق (٢)، رقم (١٤ - ١٥٠٤).