للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأشياء وخواصها، بدرجة ينفرد بها الساحر عمن عداه، فيستغل هذه الظواهر أمام من لا يعلمها، على أنها خرق للعادة، وتحويل للمادة، وتغيير لحقائق الأشياء، وهذا ما حصل من سحرة فرعون، فقد قال المفسرون: أنهم ملئوا حبالهم وعصيهم بمادة الزئبق الذي يتمدد بسرعة وبدرجة عالية بالحرارة، وألقوا حبالهم وعصيهم على أرض ساخنة، فتمدد الزئبق، وتحركت الحبال والعصى كأنها حيات تسعى، ولو أن رجلاً في عصرنا استخدم ما يعرف "بالريموت كنترول" في قرى الريف أو في مجاهل أفريقيا، فحرك السيارة من بعد، أو شغل التليفزيون وأطفأه من بعد، أو فجر قنبلة من بعد، لآمن المشاهدون بأنه ساحر عظيم.

الأمر الثاني: تعلم خفة اليد، وشغل المشاهدين بأشياء جانبية وتحويل انتباههم عن خديعته، وإيهامهم والإيحاء إليهم بغير الحقيقة، والسيطرة عليهم بقوة شخصيته وخفة حركاته، فيخرج لهم حمامة من علبة مفرغة مفتوحة من الجانبين، يمرر فيها يده على أنها خالية، والحقيقة أن الحمامة في جانب منها، أو ينام صبي فوق لوح ممدداً، فيغطيه، فينكمش الصبي في جانب، فيضرب الرجل اللوح بالسيف، فيقطعه نصفين، ويتوهم المشاهد أن الصبي قطع نصفين، فيقوم الصبي واقفاً، فيصفق المشاهدون إعجاباً بالسحر والساحر، الأمر الثالث: استغلال صاحب الشخصية القوية موهبته في السيطرة على صاحب الشخصية الضعيفة عن طريق الإيهام والإيحاء الخارجي، فيتأثر الموحى إليه بما يريده الموحي، ويخيل إليه ما ليس بحق حقاً، وما ليس بواقع واقعاً، ونشاهد في حاضرنا سليماً يذهب إلى الطبيب، فيقول له الطبيب: ما لك أصفر اللون، خائر الأعصاب، لا تكاد تقف على رجليك، فيخرج من كان سليماً من عند الطبيب يتساند على مرافقيه، ويكثر هذا الأسلوب في التأثير على الزوج مع زوجته، بما يعرف بالربط والحل، ومن المعروف أن النشاط الشهواني يرتبط إلى حد كبير بالعوامل النفسية.

وهذه الأمور الثلاثة لها أصولها وقواعدها التي تعلم لتؤثر، وما أنزل على الملكين، هاروت وماروت، بمدينة بابل، لم يكن يخرج عنها، يعلمان الناس ما يفرقون به بين المرء وزوجه.

فإذا أضفنا إلى ذلك كيد الشيطان ووسوسته، واستغلاله لهذه الحيل الشيطانية ليفسد في الأرض استطعنا فهم هذه الظاهرة، ظاهرة السحر وتأثيره، وبخاصة في البيئات البدائية واستطعنا فهم حديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم فهماً صحيحاً.

لقد حاول اليهود والمشركون أن يسحروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليوقفوا دعوته النورانية الزاحفة على ظلماتهم، ففشلوا، فذهبوا إلى لبيد بن الأعصم، أشهرهم في السحر، وأقدرهم على استخدام طقوسه، فطلبوا منه أن يقوم بهذه المهمة، وله ثلاثة دنانير، وهو مبلغ كبير، له قيمته في ذلك الزمان، يشتري به ما لا يقل عن ستين شاة، وحصلوا بأسلوبهم على شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى مشطه الذي يسرح به شعره، وضفر الشعر والمشط في حبل من تيل، وخرز في إبراً، وعقد الحبل عقداً، وقرأ عليه من الطلاسم ما قرأ، ووضعه في قالب، من قوالب طلع النخل الذكر، وأودعه تحت صخرة في قاع بئر مهجور، ولا نستبعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أحس بهذه العمليات، ولو عن طريق الوسوسة الشيطانية، وأعوان لبيد الساحر، فأخذ عن إتيان النساء بقدرة الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>