للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ويقف الأنبياء وقلوبهم وجلة، يتضرعون إلى الله، ويقولون: يا رب سلم. يا رب سلم. وتقف الملائكة ممسكة بالكلاليب المأمورة، وهي تقول: يا رب سلم، يا رب سلم وتقف الأمة الإسلامية، ولسانها يلهج بالدعاء: يا رب سلم. يا رب سلم. ومن حولها سائر الرسل وأتباعهم في انتظار أمر الله.

ثم ينادي المنادي: أين محمد وأمته؟ فيقوم صلى الله عليه وسلم وتتبعه أمته، برها وفاجرها، فتفرج الأمم لهم عن الطريق. فيمرون غرا محجلين من أثر الطهور، فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء، فيأخذون الجسر، فيطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون من يمين وشمال، وتتخطفهم الكلاليب، ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يجتاز الصراط، وأمته أول الأمم، ويتسع الصراط لبعض المؤمنين، حتى يكون مثل الوادي، وإن بعضهم يمر عليه كطرف العين، وبعضهم كالبرق، وبعضهم كالسحاب، وبعضهم كانقضاض الكوكب، وبعضهم كالريح، وبعضهم كجياد الخيل، وبعضهم كالطير، وبعضهم كجياد الإبل، وبعضهم كأسرع البهائم، وبعضهم يسعى سعيا، وبعضهم يمشي مشيا تجري بهم أعمالهم، حتى يمر الرجل الذي أعطي نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يتكفأ به الصراط، يتلبط على بطنه، يجر نفسه بيد، ويتعلق بيد، يجر نفسه برجل ويتعلق برجل، وتضرب جوانبه النار، يقول: يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول: أبطأ بك عملك، ويظل يحبو، حتى ينجو، فيلتفت إلى النار، ويقول: تبارك الذي نجاني منك.

حتى إذا خلص المؤمنون من النار وقعت المقاصة بينهم على قنطرة بين الجنة والنار، حتى إذا انتهوا إلى الجنة تفقدوا إخوانهم فوجدوا العصاة منهم في النار، فرقت لهم أفئدتهم، واشتدت عليهم حسراتهم، فيجأرون إلى الله بالدعاء، ويناشدونه بكل تذلل أن يعفو عن إخوانهم وأن يخرجهم من النار، يقولون: يا ربنا، إخواننا، كانوا يصومون معنا، ويصلون معنا ويحجون معنا، يا ربنا، آباؤنا، وأجدادنا، أعمامنا، أخوالنا، أبناؤنا، أزواجنا اغفر لهم، شفعنا فيهم، فيقول لهم: اذهبوا فأخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ويأمر ملائكته بإخراجهم، ثم يعودون فيستشفعون في غيرهم فيشفعون، وهكذا حتى يخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من خير، فيقول الله تعالى: شفع الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا أبدا، قد صاروا فحما، فيلقيهم في نهر في مقدمة الجنة، يسمى نهر الحياة، فيخرجون منه كالنبتة الصغيرة في نضارتها وحسنها، ويقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من مائكم، فيرشون عليهم من ماء الجنة، فيزدادون نضارة وبهاء ثم يؤذون لهم بدخول الجنة.

يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إني أعلم حال آخر أهل النار خروجا من النار، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة، هو رجل يبقى مقبلا بوجهه على النار، فيقول: يا رب، اصرف وجهي عن النار، فقد آذاني ريحها، وأحرقني حرها، يا رب اقبلني واعف عني، يا رب. أقر بذنبي وأعترف بتقصيري، وأرجو واسع رحمتك، ويدعو الله ما شاء أن يدعوه، فيقول الله لملائكته: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت كذا وكذا يوم كذا، وعملت كذا وكذا يوم كذا. فيقول: نعم يا رب، وهو مشفق من كبار ذنوبه، خائف أن تعرض عليه ويؤخذ بها، فيقول: يا رب، قد

<<  <  ج: ص:  >  >>