تبرز المقولات والشواهد السابقة تلك المواقف المشتركة التي كونها النظام الاستعماري ذاته. فالمستوطن، مثله كمثل أي إنسان آخر، يتشكل ويتكيف ضمن إطار المجتمع الذي يعيشه، ومن هذا المجتمع يستمد قيمه وأفكاره. ولقد أفسد النظام الاستعماري التكوين النفسي للمستوطنين، وبات لزاما عليه تحمل تبعات ما أفسده. ومن غير الصحيح إلغاء التبعات على المواطنين - أو المستوطنين الذين وجدوا أنفسهم، بحكم السياسة الاستعمارية، وهم في وسط معاد لهم في مجموعه، مناوىء لثقافتهم، إدراكا من هذا الوسط بأن تراثه وثقافته ومذهبه الديني، هي بمجموعها القاعدة الصلبة لمجابهة ما يتعرض له.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فقد وجد المستوطنون أن الحلول الديموقراطية للمشكلات الجزائرية الوطنية، وتحقيق الانفتاح على المواطنين الأصليين، سيفسد عليهم متعة الامتيازات التي يمارسونها ويستثمرونها. ومن هنا برز الجدار الفاصل، ونشأت الهوة العميقة بين المستوطنين الأوروبيين من جهة، وبين المواطنين الجزائريين من جهة أخرى. وكان لا بد لهذا الحاجز الفاصل من أن يتزايد تعاظما مع الأيام، بتأثير الأخطاء المتراكمة، مما خلق الوضع المتفجر بصورة دائمة فوق أرض الجزائر.