ومتى تفرقت تلك العلائق، جعلت النفس المؤمنة تتلقى أوامر السماء بهيئة نقية صافية، ثم تمليها أولا على حياتها العملية الخاصة، حتى يطبق العلم على العمل، فتحقق الحكمة:{ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب}.
فإذا تم للمؤمن ذلك أفاض تلك الأوامر الإلهية على بيئته ومجتمعه، وقد تتسع هذه الدعوة حتى تعم الإنسانية جمعاء، وإذ ذاك تصلح حال الدنيا ويسودها السلام وتشملها العدالة. ويحل الرضاء محل النزاع، وتحل المحبة محل البغض والحفيظة، ومن آيات ذلك أن الأوامر الإلهية كانت مند غابر العصور ولا تزال وستظل، تقود بني الإنسان إلى الفلاح والكمال إذا وضعوها موضع الاحترام والعناية والتطبيق، ولكنها تشهد دمارهم وفناءهم إذا هم سحبوا عليها ذيول الإهمال والنسيان.
فالقرآن إذا هو روح الإسلام الذي أشع ولا يزال يشع في الوجود، وهو قلبه الذي ينبض بالحياة، وعقله الذي به يفكر ويتأمل، والذي ضمن له ذلك الامتياز على جميع ما عرفته البشرية من أديان، والذي أفاض تلك المبادىء السامية الخالدة. ويشتمل القرآن على كل خير الإنسانية وعوامل رقيها وتقدمها، محتويا على جميع عناصر الصلاحية لكل الأزمنة، والأمكنة والبيئات والمجتمعات على اختلاف نزعتها، وتباين مشاربها، مما حقق لنبيه أن يكون خاتم الأنبياء والمرسلين. وجعل رسالته غاية الغايات ونهاية النهايات، وأسند إليها الكلمة الفاصلة، والقول الحاسم في جميع التشريعات الفردية والعلائق الأسرية والقوانين