وأدرك المسلمون في الجزائر خطورة هذه الهجمة، فقاطعوا المساجد - الإفرنسية - التي ارتضى خطباؤها لأنفسهم ذل الخضوع لسلطان القوة. وراح كل فقيه وشيخ يجمع الطلبة في بيته، ويلقنهم مبادىء دينهم. وذعرت السلطة الاستعمارية لهذا الصمود، فراحت تزيد من اضطهادها للفقهاء والعلماء، ومضى هؤلاء لإظهار المزيد من الصمود، وعادت مساجد الأرياف خاصة لممارسة دورها وقد تحولت إلى ملاذ يلجأ إليه العلماء والطلبة المضطهدون، فرارا من قبضة السلطة القوية في المدن.
احتفظت هذه الجوامع بنظامها الذي يشبه إلى حد بعيد أنظمة المدارس الداخلية. فالطالب يتعلم وينام فيها، على نفقة الأبرار الأخيار، أو أهل القرية التي يقع فيها هذا المسجد - الجامع -. أما طلبة المكاتب القرآنية الغرباء، الموجودون في المدن، فإنهم يعتمدون في أمر معيشتهم على الصدقة والاستجداء، بعد أن منعت الإدارة الإفرنسية عنهم موارد الأوقاف، وبعد أن مضت لمحاربتهم بكل الوسائل. ولم يجد الطلبة في اللجوء إلى الاستجداء غضاضة طالما أن هدفهم النبيل، وهو تعلم العلم وتعليمه قد فرض عليهم أقسى أنواع الحرمان. وبات من الأمور العادية أن يطرق أسماع أبناء المدن الجزائرية - عند الظهيرة وفي المساء - صوت يأتيهم من الخارج وهو ينادي، (الموجود لله) فيعرفون أنه صوت الطالب القرآني الذي يعاني الفقر والعوز، ويقاوم البرد والجوع، في سبيل المحافظة على وجوده الإسلامي.
وقد لا يكون بعض أبناء المدن - أو معظمهم في تلك الحقبة،