للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكليتي، وأخذت أستفز منه الشعور والإحساس، وأثير في قلبه الآلام والأحزان حتى أسمع حديثه، وأطلع على ما يخفيه في فؤاده الجريح من هم وألم. فقلت له: بالله يا أستاذنا العظيم، وأنت رجل العلم ومربي الجيل، وحامل لواء القرآن. إن قلبي يذوب ويلتهب وأنا أرى حال هذا البلد الذي كان أمينا، فأصبح مهانا ذليلا، حتى أن الخنازير ورعاة الخنازير يريدون الاحتفال باحتلاله. فازداد وجهه احمرارا، وازدادت نظراته حدة، وازدادت ملامح وجهه قسوة، حتى لقد خيل إلي أنه يثور ثورة عنيفة مرعبة. غير أنه سيطر على نفسه، وقال في حدة: (بل قل أنه أصبح مثل المومس الداعرة يتناولها من يشاء من الأشقياء دون أن تنال منهم شيئا. لكن هذا هو قضاء الله. ولا راد لقضائه) ثم هدأت ملامحه. وعاد إلى صمته. فقلت له فورا: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) فلتغيروا ما بأنفسكم من ذلة واستكانة ورضوخ وتشتت شمل وقلة الناصح، وخوف العالم، وانهيار الإيمان، يغير الله حالكم إلى أحسن حال. فتململ قليلا، وقال في ألم يحز القلب ويهد القوى: (لقد قال الله ذلك لقوم يعقلون، وما نزلت آية من القرآن هي أهدى للأمم وأدل على طريق الحرية والسعادة كهذه الآية، لكن أين من يفهم، وأين من يسمع وأين من يعي؟) قلت: (يا أستاذي العظيم، لقد ربيت في المدرسة الثعالبية جيلا، بل أجيالا من الرجال. بثثت في صدورهم العلم، وألهمتهم الحكمة والصواب، أليس فيهم من يقول اليوم كلمة الحق أو يدعو إلى الخير؟) وأجاب مضعضعا: ليس فيهم...والله رجل رشيد. ما فيهم إلا المخنث والخصي، فهالني أن أسمع من ذلك العلامة العظيم،

<<  <  ج: ص:  >  >>