مثل هذه الكلمات السوقية، وظهر علي الإمتعاض والاعتراض، وقلت: يقولون إن الناس على دين ملوكهم والطلبة على دين أساتذتهم و .. فقاطعني قائلا: أما الناس فهنا على دين ملوكهم الملاعين حقا؛ السفه والزيف والفساد والنفاق، والتكالب على الدنيا ونكران الآخرة، أما أن الطلبة على دين أساتذتهم، فلا. لا. لا. وأطال في لفظ (لا) الأخيرة طولا انتهى بنفسه، قلت له: ما حكم الله في ... فقاطعني بحدة قائلا:(هنا لا يوجد حكم الله. هذه دار حرب. سقطت فيها الأحكام الشرعية. وانتهى فيها أمر الإسلام) قلت: يا ويلاه! أنت تقول هذا؟ إن هذا القول هو غاية ما يريده المستعمر كي يتم له ابتلاع الأرض الجزائرية وما فوقها وما تحتها من خيرات. قال:(وهل بقي فيها شيء لم يبتلعه ولم يهضمه؟) قلت: نعم: بقي فيها الإسلام، بقي فيها الإيمان، بقيت فيها الروح التي لا تغلب، بقيت فيها النفوس المتألمة الظمأى، بقي فيها حب الانتقام من الظالمين. إنك تعيش يا استاذي الكبير في معزل عن الشعب، بعيدا عن الطبقات العامة، لا تعرف نفسيتهم ولا تفكيرهم ... إنهم والحمد لله لا يسمعون كلامك، ولا يختلطون بك. ولو أنهم استمعوا إليك أو اختلطوا بك لتقولوا عليك الأقاويل، ولكفروا بك بعد إيمان. فتنهد، ونزلت دمعة من عينيه، وقال:(لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع) ثم عاد إلى صمته وسكوته كأنما هو أبو هول القرن العشرين.
قال لي الأخ محمد بن الأكحل: منذ أمد طويل، لم نر الشيخ تكلم كما تكلم اليوم ... هذا رجل أصابه اليأس في الصميم، واصطلى من الاستعمار الإفرنسي بنار الجحيم. وأصبح يحيا في