نفسية لا تنتظر معها سلامة: إما موت وإما جنون. وقد كانت الثانية لسوء الحظ، فلم يمض أمد طويل على لقائنا حتى علمت بأن الشيخ عبد الحليم بن سماية قد فقد عقله، وأخذ يهذي ولا يعرف ما يقول.
غير أن الشيخ لم يفقد حتى وهو في حالته الأخيرة، مهابته أو سلامة محاكمته، ومما يحكى عنه في هذه الفترة: أنه دخل مرة حديقة (بور سعيد) وكانت تدعى (السكوار) وهو يمتطي جواده، وأخذ يتجول بين مساربها، وأفواج العامة تسير في ركابه. ففاجأه شرطي الحراسة بقوله: هنا ممنوع ركوب - أو مرور - الخيل، أخرج. فأجابه الشيخ محتدا: أنا لا يمتعني أحد! فأخذه إلى محافظ الشرطة، والعامة تتبعه، وكان المحافظ يعرف عنه الكثير، فقال له: يا سيدي الشيخ، ممنوع منعا باتا مرور الخيل بالمنتزهات العامة، خوفا على الضعفاء والأطفال. فرد عليه الشيخ: عجبا! صبرنا على حصانكم موضوعا بساحتنا العمومية مائة سنة (يقصد بذلك تمثال الدوق دومال - فاتح الجزائر) ولا تصبرون على حصاننا ربع ساعة. قال محافظ الشرطة وقد ترجموا له ذلك: هذا كلام عدو عاقل لا كلام صديق مجنون. وأذن له بالانصراف.
هذه الحادثة، وأمثالها، أكدت أن ما أصاب الشيخ لم يؤثر أبدا على ملكته العلمية، وإنما أثرت على سلوكه ووجوده في المجتمع بين الناس. أو قل بأنها (عقدة الاضطهاد) التي أفقدته القدرة على التكيف مع محيطه، وهي الظاهرة التي تحمل طبيا اسم (المونوماني) والتي لازمته حتى انتقل إلى جوار ربه، مأسوفا عليه