هو. فماذا انكرت مني؟ قلت: أنكرت منك لهجة لم أكن انتظرها، وحديثا عجبا لم أكن أتوقعه.
واستمر الحديث، وفهمت أن الرجل كان في بادى - أمره مؤمنا عصاميا طموحا، فلما أصابته نائبة السجن، ضاقت عليه الدنيا بما رحبت، ودارت عليه دائرتها بالسوء. وخرج من سجنه غريبا، مبتئسا بالحياة. لا يرى الناس ولا يرى الأشياء، ولا يرى الحوادث، إلا من وراء منظار أسود فاحم اللون. وها هو عمر راسم يصف سبب ما هو فيه:(أنا فقير مدقع، وضيع بين الناس مصاب بسرطان في حنجرتي، أعزب إلى أن أموت، استعمار فرنسا يزداد طغيانا وظلما شنيعا يوما بعد يوم. الدولة العثمانية ماتت وورثها الكافر مصطفى كمال، ولم يأت على المسلمين يوم تفرقت فيه كلمتهم، وتشتت فيه آراؤهم مثل اليوم).
وفي رسالة من عمر راسم إلى صديقه المجاهد أحمد توفيق المدني، جاء ما يلي:
(هذا يا أستاذ، إن ما اقرحتم به على هذا العبد الذي يعيش على هامش الدنيا والحياة، هو غير مقبول ... لأني كما صرحت لكم به مشافهة، لا أريد أن أكون مع الناس أعتقد أنهم أعداء الحق والإنسانية والومطن، ولا أرضى أن أكون في كتاب أو صفحة أو صورة أو مرآة. ولو مع عبد القادر أو المقراني أو غيرهما ... ويا أيها المؤلف النشيط، اسمحوا لي أن أقول لكم إنكم لا تعرفون الجزائر كما عرفتها، وشاهدت ما كان لها من مزايا ورجال، وأقطاب علم ووطنية صادقة وأعمال نبيلة وثقافة نادرة ومدنية رفيعة