السياسة. وكان آخر ينادي بوجوب تخصيص ثكنة عسكرية لتكون مستوصفا طبيا للمسلمين. وكان غيرهما ينادي بمطالب تافهة، لا فائدة منها. وما كان ذلك من الحكومة إلا جرعة دواء مهدىء - مسكن - خالتها تخدر الجسم الإسلامي طويلا. فإذا بها تحولت إلى جرعة منشطة بعثت بالجسم بعيدا نحو الآفاق السامية والآمال البعيدة. واكتفت فرنسا ببناء دار بسيطة في (حي القصبة) أسمتها (دار الصناعات الأهلية) ولدت ميتة، ودفنت إلى الأبد مع الأموات.
وعملت فرنسا على إحياء عادة وثنية قديمة، إذ أقامت جدارا فوق كهف طبيعي صغير، بضاحية (سيدي فرج) وعينت له وكيلا من قدماء جنودها، بزعم أن ذلك هو:(ضريح سيدي فرج) وما هو في حقيقة أمره إلا مغارة مهملة أحيت بها وثنية مرت عليها الدهور. أما ضريح سيدي فرج فقد كان أول ما دمره الإفرنسيون، وأزالوا كل أثر له، أثر نزول جحافل غزوهم بالساحل الجزائري.
كما عملت فرسا على ارتكاب حماقة أخرى تزيد في بشاعتها ووقاحتها على ما سبقها، حيث أقامت حفلا دينيا (بالمسجد الأعظم الجزائري) حضره الوالي العام - بورد - وكامل رجال الإدارة الإفرنسية دونما استثناء، وخطب فوق ذلك المنبر الشهير الذي توالت عليه أقدام كبار العلماء منذ القرون العديدة، خطب الشيخ محمود كحول، الموظف بإدارة الجريدة الرسمية في الولاية العامة وإمام المسجد، الذي كان يدعى تجاوزا (المفتي) ليقول: إن المسلمين يوالون فرنسا لا قالبا، بل قلبا وإيمانا. وأنهم