المهم في الأمر، هو أن الشيخ عبد الحميد بن باديس، لم تصرفه قسوة الظروف التي كانت تعيشها الجزائر عن رؤية أبعاد الصراع، وشمولية المعركة، فالحرب ضد المسلمين هي حرب واحدة، سواء كان مسرحها الجزائر، أو كان مسرحها فلسطين، أو ابتعدت حتى أقاصي المشرق الآسيوي. وها هو الشيخ يعود في سنة ١٩٣٨، ليقرع الأجراس محذرا من خطورة (الزواج غير الشرعي بين الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية، فيقول: (تزاوج الاستعمار الانكليزي الغاشم بالصهيونية الشرهة، فأنجبا لقسم كبير من اليهود الطمع الأعمى. وقذف بهم على فلسطين الآمنة والرحاب المقدسة. فأحالوها جحيما لا يطاق، وجرحوا قلب الإسلام والعرب جرحا لا يندمل ... جاء الزوجان المشؤومان الصهيونية والاستعمار الانكليزي، فكانا بلاء على فلسطين ويهودها. فليست الخصومة بين كل عرب فلسطين
= التقدير إذا قلنا أن الصهيونية من أهم العوامل التي أثارت نقمة العالم الإسلامي على اليهود، فقد كان هؤلاء منظورا إليهم في كل بلد إسلامي كعنصر وطني. فلما حملوا لواء الوطن الصهيوني، وتسلحوا بوعد بلفور، تبدل موقفهم في العيون، وصاروا منظورا إليهم كقوم فاتحين غاضبين، يحاولون أن يطردوا العرب من فلسطين ليحلوا مكانهم ويؤسسوا دولة يهودية. فالصهيونية، وهي فكرة دينية، هي التي جعلت المسلمين ينهضون لمصارعتها باسم الدين، ولكل شيء آفة من جنسه ... وخلاصة ما نراه، أن ثورة المسلمين على اليهود في قسنطينة هي ثورة المقهور، المجروح في كبريائه. ولكن بعض الجرائد الأمريكية في نيويرورك، لا تستلهم فيما تكتب عن هذه القضية غير مصالحها الخاصة، شأنها في كل قضية تتعلق باليهود). وقد أعادت صحيفة الشيخ ابن باديس - الشهاب - نشر هذا المقال - ج ١٠ - م ١٠ - ١٩٣٤ (الجزائر والأصالة الثورية - خرفي - ص ٣٨).