واستمر عبد الحميد في نفخ رماد الحرية، مرددا مقولته المعبرة عن استيائه من أن يرى الاستعماريين وهم يحتفلون كل عام بعيد حريتهم (عيد الثورة الإفرنسية ١٤ تموز - يوليو ١٧٨٩) لا في فرنسا وحدها، وإنما في كل وطن تستعمره فرنسا. في حين كان وطنه ومواطنوه محرومين من هذه الحرية، فكانت مقولته الرائعة: (أيتها الحرية المحبوبة! يا من تحتفل بأعيادك الأمم، وتنصب لتمجيدك التماثيل، ويتشادق بأمجادك الخطباء، ويتغنى بمحاسنك الشعراء، ويتفنن في مجاليك الكتاب، ويتهالك من أجلك الأبطال، وتسفك في سبيلك الدماء، وتدك لسراحك القلاع والمعاقل، ولكن أين أنت في هذا الوجود؟ كم من أمم تحتفل بعيدك وقد وضعت نير العبودية على أمم وأمم ... وكم من قوم نصبوا لك التماثيل في الأرض وقد هدموك في القلوب والعقول والنفوس، فأين أنت أيتها الحرية المحبوبة في هذا الورى؟ أنت أنت الحقيقة الخفية، خفاء حقيقة الكهرباء. أنت أنت الروح السارية في عالم الأحياء. ولئن خفيت بذاتك، فقد تجليت على منصة الطبيعة في بسائط الأرض وأجزاء السماء.
فأبصرتك عيون اكتحلت بأثمد الحقيقة. واقتبست منك عقول صقلت بالعرفان. واحتضنتك صدور أنيرت بالإيمان، وتذوقتك نفوس ما عبدت إلا الله، وخدمك قوم آمنوا بالله وصدقوا المرسلين .. آه .. آه .. أيتها الحرية المحبوبة. واشوقاه إليك، بل واشوقي إليهم - حملة الحرية - المحيا محياهم، والممات مماتهم، أنقذ الله بهم بلادك وأحيا عبادك. إننا أعداء أعداء الحرية، وأحباب أحبابها، سواء كانوا من أهل البرانيط، أو من