(لقد تعربت الأمة الجزائرية تعربا طبيعيا، اختياريا، صادقا، فهي في تعربها نظيرة إسماعيل جد العرب الحجازيين. فقد كان من العرب لما شب في مهدهم ونطق بلسانهم، وتزوج منهم، وليس تكون الأمة بمتوقف على اتحاد دمها. ولكنه متوقف على اتحاد قلوبها وأرواحها وعقولها، اتحادا يظهر في وحدة اللسان وآدابه واشتراك الآلام والآمال) سنة ١٩٣٨.
تلك هي الأرض الصلدة التي نهض لها - ابن باديس - يبذر فيها بذور الخصوبة والنماء، وذلك هو المسلك الوعر الذي شق فيه طريقه، وتلك هي نقطة الانطلاق لنهضة، ابتدأت بذرة في أرض موات، فغدت أصلها ثابت وفرعها في السماء. ابتدأت حبوة علمية في (جامع سيدي قموش) وانتهت احتفالا شعبيا بختم تفسير القرآن الكريم في (كلية الشعب) بقسنطينة. وابن باديس، متمسك في مسيرته الشاقة بثلاث دوائر متداخلة متشابكة لا تعرف الانفصام ولا التجزئة، ولا تكتمل الصورة إلا بها جميعا، ودون طغيان من إحدى هذه الدوائر على الدوائر الأخرى، أو توسع بعضها على حساب البعض الآخر، وهذه الدوائر هي: الجزائر والعروبة والغسلام (أو بترتيب معاكس سيان في ذلك طالما أنه ضمن تحقيق التوازن فيها). فهو إذ يقيم نهضته، يقيمها بمقدار ما أعطى لهذه الدوائر الثلاث من تلاحم ثابت ودائم. و (عروبة الجزائر) عند باعث نهضتها، ليست عروبة خطابة أو تهريج، أو حماسة جوفاء، إنه وهو يذكيها بأنفاسه الملتهبة، ويرويها من عرقه المتصبب