واليوم، فإن اللغة العربية والآداب العربية هي لسان الأمة الجزائرية كلها، لا يجهلها إلا عدد قليل من المنقطعين في بعض رؤوس الجبال. ولا تستعمل اللغة المازيغية إلا في بعض النواحي القليلة استعمالا شفاهيا محليا. ثم اللغة العربية هناك لغة الكتابة والخطابة والتعليم والتخاطب العام.
ولو رأيت (الجامع الأخضر) في قسنطينة، لرأيت أبناء الجزائر من جميع جهاتها، وفيهم من يتقنون المازيغية، يتزاحمون على مناهل العربية العذبة، ويتسابقون إلى الفوز في ميادين بيانها الفسيحة، ويتعاونون على بناء صرحها، ورفع منارها، ويستعذبون في سبيل المحافظة على تراثهم منها كل مر. ويستسهلون في سبيل تبليغه لغيرهم كل صعب. لو رأيت هذا لعرفت كيف كانت هذه الأمة الجزائرية أمة عربية واحدة، فحكمت بالجهل المطبق، أو الكيد المحقق على كل من يقول فيها غير ذلك).
ويستمد - ابن باديس - الحجة التي تبكت المستعمر، من واقع المستعمر ذاته، ليدحض دعوى البربرية التي تحدوه، ويشنع عليه احتجاجه بحالة في الجزائر، وتغافله عن مثيلة لها في فرنسا. فيفضح فيه التزييف المتعامي، والمغالطة المضللة: (تشكل فرنسا أمة واحدة ... وعلى الرغم من ذلك، فإنك تجد في قرى من دواخل فرنسا وأعالي جبالها، من لا يحسن اللغة الإفرنسية، ولم يمنع ذلك القليل - نظرا للأكثرية - من أن تكون فرنسا أمة واحدة. وهذه الحقيقة الموجودة في فرنسا، يتعامى الغلاة المستعمرون