مضى الشيخ مبارك يضرب في كل ميدان من ميادين الجهاد، يمضي معظم وقته (عشر ساعات يوميا) في تدريس تلاميذه الذين زاد عددهم على سبعين تلميذا - فيهم ست فتيالت - لينصرف بعد ذلك إلى (الجامع العتيق) في الأغواط للالتقاء - بعد صلاة العشاء - بالشبيبة والرجال الراغبين في تلقي الإسلام من مورده الصافي ومصدره العذب. وليتردد بعد ذلك مرة في الشهر على الأقل لزيارة (مدينة بوسعاده) وإلقاء محاضراته التوجيهية الهادفة فيها. ولينتقل أيضا إلى (مدينة الجلفة) مرة في الشهر للهدف ذاته. ولينتقي من بين تلاميذه من يتوسم فيهم الخير والفضيلة فيوجههم إلى (قسنطينة) و (جامعة الزيتونة بتونس) فشكل بذلك جهازا للاضطلاع بنهضة الأغواط - الضاربة في عمق الصحراء - وليعمل أثناء ذلك كله على الاختلاط بجماهير الشعب، يوجههم نحو الدين القويم، ويفضح أساليب الاستعمار ووسائله المضادة للعرب المسلمين، وليحارب الطرقية وبدعها وانحرافاتها، مقتديا بذلك سيرة أستاذه ابن باديس. وهاله أمر ما كانت تطرحه الدوائر الاستعمارية من أن (أهل البلاد ينتمون إلى الشعوب الغربية في أصولها ويلتقون بعد ذلك مع الإفرنسيين والرومان بأكثر من التقائهم مع العرب المسلمين). فمضى ليدحض هذه المقولة وأمثالها، وأفاد من كل فرصة تتاح له لوضع كتابه (تاريخ الجزائر في القديم والحديث) محددا هدفه من ذلك بقوله: (إني شديد الشعور بالمسؤولية، ولكنني شديد العراقيل كثيرها، شديد الحاجة إلى المعين، عديمه. ففي التحرير، أجد عراقيل قلة المواد وبعد أسلوبها عن نظامي واختلاط مواضيعها بالنظر إلى أسلوبي،